ملتقى الجامع الأزهر: ضرورة العودة للأصول والاقتداء بالصحابة لمواجهة الفتن التي يتعرض لها شبابنا اليوم
عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "من سير الصحابة.. أو بكر الصديق دروس وعبر"، بحضور كل من أ.د محمد عبد المالك، نائب رئيس جامعة الأزهر، وأ.د صلاح عاشور، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر وأدار اللقاء الأستاذ سمير شهاب المذيع بالتلفزيون المصري.
في مستهل الملتقى، أكد فضيلة الدكتور محمد عبد المالك على أن الأمة اليوم في أمسّ الحاجة إلى العودة لأصولها، وأن ندرس السيرة النبوية وأحوال الصالحين، وخاصة في زمن انتشرت فيه الفتن وذهب فيه شبابنا للاقتداء بشخصيات لا تستحق أن تكون قدوة، كما إن الأجدر والأولى أن تكون قدوتنا الثابتة هو النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، الذين وصفهم القرآن الكريم بأجل الأوصاف في قوله تعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"، فأصحاب الرسول جعلهم المولى سبحانه وتعالى قدوة وأسوة للمسلمين، قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، مضيفا أن صحابة الرسول مدحهم القرآن الكريم في كثير من آياته التي تحدثت عن فضلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في حقهم:" لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".
وأوضح فضيلة أن الصحابي الجليل سيدنا أبو بكر الصديق تميز بمواقف خالدة في تاريخ الأمة الإسلامية، سجلها التاريخ بحروف من نور، وقد أشتهر بكنيته "أبو بكر"، وهو مصطلح يطلق في الأصل على الفتي من الإبل، وهو اسم كان مشهورًا عند العرب، بل كانت هناك قبيلة مشهورة تحمل هذا الاسم، مما يدل على مكانته، كما تعددت ألقاب هذا الصحابي العظيم التي تعكس فضله وسابقته، فأولها لقب "العتيق"، الذي منحه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بشره بأنه "عتيق الله من النار يوم القيامة"، وهو ما يشير إلى فضله، كما لقب بـ"الصاحب"، وهو اللقب الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بحادثة الهجرة المباركة، وجاء ذكر هذا الوصف في القرآن الكريم في موضع تسرية وطمأنة من النبي له: "إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"، ومن ألقابه كذلك "الأوَّاه"، وهو وصف يدل على كثرة دعائه وخشوعه وتضرعه وتبتله ورحمته، لكن الوصف الأبرز والأكثر شهرة الذي غلب على ألقابه جميعًا هو "الصديق"، الذي اشتهر به، وكان دليلاً على صدقه المطلق وإيمانه الفوري غير المتردد، وتصديقه الدائم لكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، مما جعله رمزًا للثقة المطلقة في الرسالة النبوية وأحق الناس بالخلافة بعد الرسول، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: " : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ، ونظر وتردد ، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ، ما عكم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه".
وأكد فضيلة على أن سيدنا أبو بكر الصديق قد بلغ ذروة الإخلاص والصدق في محبته للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تجسد هذا الحب في توافقه الوجداني معه، ومثال ذلك ما ورد في بعض الروايات عندما مرض النبي صلى الله عليه وسلم فزاره أبو بكر فمرض لمرضه، وعندما شُفي النبي وذهب لزيارة أبي بكر، شفي الصديق ببركة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا الإخلاص ترجمته كلماته عندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عما يحب من الدنيا، فقال الصديق بصدق: "أحب النظر إليك، والجلوس بين يديك، وإنفاق مالي عليك"، مؤكدًا بذلك تفضيله للنبي على كل متاع الدنيا، وما يبرهن على هذا الإنفاق الجود بالكلية في موقفه المشهور عندما أنفق ماله كله لله سبحانه وتعالى، وحين سأله النبي: "ماذا أبقيت لأهلك؟"، أجاب ببصيرة وإيمان مطلق: "أبقيت لهم الله ورسوله"، ما يجعله نموذجًا فريدًا في التضحية والفداء بالمال والنفس.
وأضاف فضيلته إن شخصية أبي بكر الصديق العظيمة هي بحق سجل حافل بالمواقف المشرفة التي تفخر بها الأمة الإسلامية، فهو شخصية محورية بفضلها ومكانتها العظيمة، ومثال للصحبة الصادقة التي تقدم الحب والبذل على كل اعتبار دنيوي، ويعتبر أساسا لتعميق فهم العلاقة بين المؤمن وقائده الروحي.
من جانبه قال صلاح عاشور أن سيدنا أبو بكر الصديق يمثل نموذجًا من أعظم القادة الذين مروا على العالم الإسلامي، حيث تولى الخلافة في ظروف صعبة وحرجة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كانت بعض الأقاليم على وشك التشتت والارتداد، مهددة كيان الدولة الإسلامية، لكن بفضل حكمته وحزمه، استطاع الصديق أن يحافظ على الوحدة الإسلامية بقوة وثبات، وتجسد عظمة إدارته في موقفه الحازم تجاه محاولات الخروج عن الإسلام في مناطق مثل مكة، حيث ساعده في ردع هذه المحاولات وحسم الموقف سهيل بن عمرو، الذي قال مقولته الشهيرة لأهل مكة: "كنتم آخر من أسلم فلا تكونوا أول من ارتد".
وأوضح فضيلته أن حياة أبو بكر الصديق رضى الله عنه تنقسم إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى كانت قبل البعثة، حيث كان صديقا مقربا من النبي صلى الله عليه وسلم، يعمل بالتجارة وكان من أثرياء مكة، وكانوا ذو مكانة عظيمة ومن أهل الأمانات في قريش، أما المرحلة الثانية، فكانت في الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تميزت هذه المرحلة بأنه كان أول من آمن من الرجال، ولم يتخلف عن أي غزوة من غزوات المسلمين، بل وأنفق ماله كله في سبيل الله وعتق الرقاب؛ وهذا يعد خير رد على مزاعم المستشرقين بأن أوائل المسلمين كانوا فقراء، أما المرحلة الثالثة، فكانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، عندما تولى الخلفة، حيث اضطلع بدور عظيم في الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية وكيانها.
يذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.





















