«المكسيك» تعلن اكشاف وباء خفي
بينما يجتاح مخدر الفنتانيل الولايات المتحدة، ويسفر عن وفاة عشرات الآلاف من الأمريكيين في كل عام، يصر القادة في المكسيك على أن بلادهم لم تتأثر بصورة فعلية بتلك المادة الأفيونية القوية.
وأفادت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأمريكية في تقرير لها، بأن المكسيك سجلت رسميا 19 حالة وفاة فقط ناتجة عن تعاطي جميع المواد الأفيونية في عام 2020، وهو أحدث عام تتوفر بيانات عنه بهذا الشأن، حيث أكد الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، أن الفنتانيل يمثل مشكلة أمريكية حصرية، ويُرجعها إلى "الانحلال الاجتماعي" الأمريكي.
وقال أوبرادور في إفادة صحفية في مارس الماضي، إن "هناك الكثير من التفكك الأسري، كما أن هناك الكثير من الفردية، والنقص في الحب والأخوّة والعناق... أما هنا، فنحن ليس لدينا استخدام للفنتانيل". إلا أن المعلومات الواردة في البيانات الجديدة تروي قصة مختلفة.
فقد كشفت مبادرة جديدة لاختبارات أجريت في مكسيكالي، عاصمة ولاية "باخا كاليفورنيا" المكسيكية، بغرض الكشف عن المواد المخدرة، أن 23% من بين أكثر من 1100 جثة تم إرسالها إلى المشرحة خلال العام الماضي، جاءت نتيجة الاختبارات التي خضعت لها إيجابية للفنتانيل، وهي مادة أفيونية اصطناعية، تعتبر قوتها أعلى من الهيروين بـ 50 مرة.
وقاد إجراء البحث، مدير خدمات الطب الشرعي في باخا كاليفورنيا، الذي شارك النتائج غير المنشورة التي تم التوصل إليها مع صحيفة "ذا تايمز". ويُعتقد أن الدراسة هي الأولى من نوعها التي أجريت في دولة لم يجرِ فيها القائمون على الفحص الطبي، بصورة تقليدية، اختبارات للكشف عن المواد السامة، ما يجعل من المستحيل قياس نطاق مشكلة المخدرات في البلاد، أو مجرد تأكيد وجودها.
وتأتي النتائج متناقضة بشكل صارخ مع الإحصاءات الرسمية للبلاد، والتي تظهر أن هناك 184 شخصا على مستوى البلاد تلقوا العلاج من إدمان المواد المخدرة في عام 2021.
ومن جانبه، قال ديفيد جودمان ميزا، وهو باحث في دراسات الحد من الأضرار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، إن البيانات الجديدة التي ظهرت في مكسيكالي، هي عبارة عن "إفادة واستنتاج كبيرين... إن القول بأن هناك آثارا لاستخدام الفنتانيل لدى أكثر من 200 شخص من بين الأشخاص الذين توفوا في مدينة واحدة فقط، يتعارض كثيرا مع الرواية الرسمية للرئيس الذي يقول إنه ليس هناك أحد يستخدم الفنتانيل. إنه تناقض هائل مع ما يقول المسؤولون إنه يحدث ".
وتساعد الأرقام الجديدة في تحديد وجود وباء خفي إلى درجة كبيرة، غالبا ما ينتشر تحت أعين الشرطة والمسعفين، الذين يقولون إنهم يتعاملون يوميا مع ما يتراوح بين أربع أو خمس حالات تعاني بسبب تلقي جرعات زائدة من المخدرات.
ونقلت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" عن كارلوس روميرو، نائب مدير قسم الشرطة المحلية في مكسيكالي: "إنها ليست مجرد مشكلة يعاني منها الأشخاص الذين يعيشون في الشارع.. ولكنها مشكلة في كل مكان."
وتشير الصحيفة الامريكية إلى أن جميع من يعيشون في مركز "ريفوخيو ديل إيخيو بروديجو" (ملجأ الابن الضال) لإعادة التأهيل الذي يقع في ضواحي مكسيكالي، والبالغ عددهم نحو 92 فردا، عانوا مؤخرا من إدمان الفنتانيل.
ويؤدي المقيمون في المركز الصلاة سويا في كل ليلة على أرواح أصدقائهم الذين لقوا حتفهم نتيجة تعاطي المخدرات، ونادرا ما يحضرون جنازاتهم.
ويقول سانتياو رايجوزا، مدير المركز: "إن هذا كثير جدا، إنه أشبه برؤية المرء لمستقبله."
أما الدكتور سيزار جونزاليس فاكا، فقد شهد بصفته كبير القائمين على الفحص الطبي في ولاية باخا كاليفورنيا، تحذيرات متزايدة الخطورة، صادرة عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، بشأن مشكلة انتشار الفنتانيل على الحدود، كما بدأ يلاحظ أيضا داخل المشارح التي يقوم بالاشراف عليها، وجود زيادة طفيفة في أعداد الوفيات التي بدت أنها ناتجة عن تعاطي جرعات زائدة من المواد الأفيونية.
إلا أن إجراء اختبارات للكشف عن المواد المخدرة بعد الوفاة، تعد أمرا نادرا في المكسيك. ويعني ذلك أنه عندما يموت الأشخاص، عادة ما لا يكتشف القائمون على الفحص الطبي، المواد المخدرة التي تكون موجودة في مجرى الدم، أو ما إذا كانت كافية للتسبب في حدوث الوفاة.
وكان هناك لدى جونزاليس فاكا، شعور بأن البيانات الرسمية الصادرة عن بلاده بشأن استخدام الفنتانيل، لا تروي القصة كاملة. لذلك، فقد بدأ هو وفريقه، بداية من شهر يونيو الماضي، في إجراء اختبارات للكشف عن السموم، لكل الجثث – تقريبا – التي تصل عبر المشرحة في مدينة مكسيكالي، التي يزيد تعدادها السكاني عن مليون نسمة، بغض النظر عما تبدو عليه الجثة من ارتباط الوفاة بتعاطي المخدرات.
وقد فاجأته النتائج التي أظهرت أنه من بين 1106 جثث خضعت للاختبار، كانت هناك 250 جثة، أي بنسبة 23%، إيجابية لمادة الفنتانيل.
