10 مايو 2025 19:02 12 ذو القعدة 1446
مصر 2030رئيس مجلسي الإدارة والتحرير أحمد عامر
دين وفتاوى

مريض الوسواس القهري.. هل طلاقه يقع؟

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالاً من أحد متابعيها، أجاب عليه فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، يقول طارحه: ما مدى وقوع طلاق مريض الوسواس القهري؟ وهل يشترط لوقوعه التوثيق؟

وأجاب "علام"، في فتوى سابقة له على الموقع الرسمي لدار الإفتاء، قائلاً: لا يقع طلاق الموسوس، ولا يُكَلَّف بتوثيق الطلاق بدعوى الاطمئنان وتبرئة نفسه من احتمالية وقوع الطلاق، وذلك حفاظًا على حياته الزوجية والأسرية التي يتشوف الشرع الشريف إلى استقرارها والحفاظ عليها وحمايتها، وهو في حاجة إلى صبرٍ وتحملٍ في مقاومة هذا المرض وآثاره، وعليه أن يذهب إلى الطبيب المختص بحثًا عن العلاج وتخلصًا من هذا المرض.

وعن بيان المراد بالوسواس القهري وعلاماته، قال مفتي الجمهورية، إن الوَسْواس -بفتح الواو وكسرها- صوتٌ خفيٌّ يحدث داخل الإنسان، نتيجة الأفكار وحديث النفس، يقال: رجل موسوِس؛ لتحديثه نفسه بالوسوسة، كما في "لسان العرب" للعلامة ابن منظور، مادة "و س و س" (6/ 254-255، ط. دار صادر).

وهو أحد المعاني المذكورة أيضًا لدى الفقهاء؛ سواء عبَّروا عنه بما يقع في النَّفس من التردد وكثرة الشَّك أو عبَّروا عنه بما يجعل الإنسان يتكلم بغير نظامٍ؛ كما في "الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نُجَيْم الحنفي (ص: 42، ط. دار الكتب العلمية)، و"منح الجليل" للعلامة عِلِيش المالكي (4/ 144، ط. دار الفكر).

وسَمَّى علماء النفس هذا المرض بـ"الوسواس القهري" -وفق دليل التشخيص للاضطرابات النفسية (DSM)- وعرفوه بأنه: عبارة عن مجموعة من الأفكار أو الصور المتواصلة والمتسلطة والمستمرة التي تقتحم عقل المريض وتراوده وتلازمه مع عجزه عن دفعها أو التخلص منها، ويعاني المريض كثيرًا منها لغرابتها وعدم فائدتها وتسببها في كثير من القلق والإزعاج وتُلِّحُ على خاطره عبارات معينة أو اسم مُعيَّن يتكررُ باستمرار، وقد تبقى حبيسة عقله فتسمى أفكارًا وسواسية، أو تخرج عن مستوى الحبس في العقل إلى القول أو الفعل فتسمى أفعالًا وأقوالًا قهرية. ينظر: "معجم علم النفس والتحليل النفسي" لمجموعة من المؤلفين (ص: 50، ط. مكتبة الأنجلو المصرية).

وأوضح "علام"، حكم وقوع طلاق مريض الوسواس القهري، قائلاً: مريض الوسواس مغلوب على عقله، ولا يقع له طلاق إذا طلَّق والحالة هذه على ما ذكره جمهور الفقهاء.

قال الإمام أبو الليث السَّمَرْقَنْدِي الحنفي: [لا يجوز طلاق الموسوس، يعني: المغلوب في عقله] اهـ، نقلا عن "البحر الرائق" للعلامة ابن نُجَيْم (5/ 51، ط. دار الكتاب الإسلامي).

وجاء في "الأم" للإمام الشافعي (5/ 270، ط. دار الفكر): [ومن غُلِب على عقله بفطرةِ خِلْقَةٍ أو حادثِ علةٍ لم يكن سببًا لاجتلابها على نفسه بمعصية: لم يلزمه الطلاق.. وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمُبَرْسَم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبًا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك.. وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه] اهـ.

وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (6/ 295، ط. دار الكتب العلمية): [والموسوس إن عَقَلَ الطلاق لزمه] اهـ، ومفهومه أنه إن غُلب على عَقْله ولم يعقل الطلاق لم يلزمه.

وظاهر ما سبق من عبارات الفقهاء من إطلاق كلمة "الموسوس" أنها تشمل جميع أحواله التي تُغلب فيها على عقله بإطلاق، بينما عَنَى المالكية بـ"الموسوس" المُسْتَنْكَح، وهو الذي لازمه الشَّك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه، أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه، كما في "مواهب الجليل" للعلامة الحطَّاب (1/ 301، ط. دار الفكر).

وحالة الوسواس القهرية ينعدم معها إملاك الزوج لأنه يغلب عليه الاضطراب والخلل في أقواله وأفعاله، فيسبق اللـفظُ منه بلا قصد لـه إليه، أو من غير تفكيرٍ في معناه، أو استيعابٍ لمآل ما يقول، أو يسيطر عليه الحال فلا يستطيع منع نفسه من التلفظ بالطلاق، فيخرج منه رغمًا عنه، ومن ثَمَّ فهذه الأوصاف المذكورة تجعل المصاب بهذا المرض فيما قرره العلَّامة ابنُ عابدين بقوله في "رد المحتار" (3/ 244، ط. دار الفكر) بحثًا واستخلاصًا: [الذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه: إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو لمصيبة فاجأته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها؛ لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن الإدراك صحيح، كما لا تعتبر من الصبي العاقل] اهـ.

وقد جاء في قضاء النقض المصري الطعن رقم (28) لسنة 48 قضائية (جلسة: 13 فبراير 1980م) أن: [طلاق الغضبان لا يقع إذا بلغ به الغضبُ مبلغًا لا يدري منه ما يقول، أو يفعل، أو وصل به إلى حالة من الهذيان يغلب عليه فيها الاضطراب في أقواله أو أفعاله، وذلك لافتقاده الإرادة والإدراك الصحيحين] اهـ.

وأشار مفتي الجمهورية، إلى صور أنواع الطلاق التي تصدر من مريض الوسواس وحكم كل نوع، فبتتبع ألفاظ الطلاق التي تصدر من زوجٍ مصابٍ بمرض الوسواس، تبين أنها تتنوع على ثلاث صور:

- الأولى: تلفظ مريض الوسواس بألفاظ لا علاقة لها بالطلاق، ولكن تحدثه نفسه بأنَّ هذه الألفاظ قد تكون سببًا في وقوع الطلاق.

- والثانية: وسوسة الزوج في وقوع طلاقه بسبب جريان لفظ الطلاق على فكره من غير تلفظ به.

- والثالثة: شكُّ الزوج وتردده في صدور ألفاظ الطلاق منه من عدمه.

وهذه الصور الثلاث لا يقع معها طلاقٌ؛ لانعدام التلفظ في الصورتين الأوليين، وهو ركنٌ من أركان الطلاق التي ينعدم الطلاق بانعدامه، سواء نوى بها الزوج الطلاق أو لم ينوه، حاله في ذلك كالصحيح، كما هو مذهب جماهير الفقهاء، ومن ثمَّ: فلا أثر لجريان أفكار الطلاق على خاطر الزوج في حصول الطلاق ما دام أنه لم يصدر منه لفظ الطلاق، أو ما يقوم مقام اللفظ كالكتابة، وذلك بناءً على أنَّ الله تعالى وضعَ الألفاظ بين عباده دلالةً للتعبير عن مُرادِهم ومكنوناتِ نفوسِهِم.

ولذلك رتَّب الشرعُ الشريفُ الأحكام على تلك الإرادة بواسطة الألفاظ المُعبِّرة عنها، لا على مُجَرَّدِ ورود معانيها في النفوس دون الدلالة عليه بقولٍ أو فعلٍ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» متفقٌ عليه، زاد الإمام البخاري: قال قتادة: "إذا طلَّقَ في نفسهِ فليسَ بشيءٍ".

قال الصحابي الجليل عُقْبَة بن عامر الجُهَني رضي الله عنه: "لا يجوز طلاق الموسوس" رواه الإمام البخاري في "الصحيح".

وعلى ذلك جرى قول عامة الفقهاء:

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (3/ 230، ط. دار الفكر): [مَن تشاجر مع زوجته فأعطاها ثلاثة أحجار ينوي الطلاق ولم يذكر لفظًا لا صريحًا ولا كناية: لا يقع عليه؛ كما أفتى به الخيرُ الرملي وغيره] اهـ.

وقال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 365، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية الدسوقي"): [(وركنه) أي: الطلاق من حيث هو، وهو مفرد مضاف فيعم، فصح الإخبار عنه بالمتعدد، فكأنه قال: وأركانه أربعة.. (ولفظٌ) صريحٌ أو كنايةٌ عن تفصيلهما الآتي، لا بمجرد نية ولا بفعل] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: لا بمجرد نية) أي: عزم ليس معه لفظ، ولا كلام نفساني على المعتمد] اهـ.

وقال العلامة عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (4/ 92، ط. دار الفكر): [(وفي لزومه) أي: الطلاقِ الزوجَ (بكلامه) أي: الزوج (النفسي)؛ بأن أجرى لفظة الطلاق على نفسه واستحضرها بقلبه من غير تلفظ بها كما يجريها على لسانه، وليس المراد به مجرد النية والقصد للتطليق؛ -إذ لا يلزم بها طلاق اتفاقًا.. وكذا لا أثر للوسوسة، ولا لقوله في خاطره: "أطلق هذه وأستريح من سوء عشرتها" مثلًا؛ قاله القرافي] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (10/ 150، ط. دار الكتب العلمية): [أما الطلاق: فلا يقع إلا بالكلام وما قام مقامه عند العجز عن الكلام، ولا يقع بمجرد النية من غير كلام، فلو نوى طلاق امرأته: لم تطلق] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 281، ط. دار الكتب العلمية): [لا يقع الطلاق بغير لفظ، فلو نواه بقلبه من غير لفظٍ: لم يقع، خلافا لابن سيرين والزهري، ورُدَّ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به» متفقٌ عليه، ولأنه إزالة ملك فلم يحصل بمجرد النية كالعتق] اهـ.

دار الإفتاء ماحكم فتوى الطلاق مريض الوسواس القهري الوسواس القهري حكم صلاق

مواقيت الصلاة

السبت 07:02 مـ
12 ذو القعدة 1446 هـ 10 مايو 2025 م
مصر
الفجر 03:27
الشروق 05:05
الظهر 11:51
العصر 15:28
المغرب 18:38
العشاء 20:04
click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here click here
البنك الزراعى المصرى
banquemisr