دار الكتب والوثائق القومية تحتفل بالعام الهجري الجديد

في إطار احتفالات وزارة الثقافة المصرية تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، بالعام الهجري الجديد ١٤٤٧هـ، أقامت دار الكتب والوثائق القومية برئاسة الدكتور أسامة طلعت، ندوة تحت عنوان"الهجرة النبوية الشريفة ومظاهر الاحتفال بها ".
نظم الندوة مركز تحقيق التراث بالإدارة المركزية للمراكز العلمية برئاسة الدكتور أشرف قادوس.
وتحدث فيها كل من: د. زبيدة محمد عطا أستاذ التاريخ الإسلامي والوسيط وعميد أسبق - بكلية الآداب - جامعة حلوان، وتناولت في كلمتها موضوعا بعنوان "من مكة إلى المدينة - تحليل تاريخي للهجرة ودورها في نشأة الدولة الإسلامية"،
وقالت الدكتورة زبيدة أن شبه الجزيرة العربية كانت تعج بالفساد وكانت كل الموبقات مباحة حتى جاءت دعوة الإسلام على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو من أشرف بطون قريش نسبا. واستعرضت قصة ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وفقا للمصادر المتنوعة التي اتفقت حول الخطوط العريضة في السيرة واختلفت في تفاصيل مثل تاريخ وفاة والده. وقد عمل النبي بالرعي ثم بالتجارة وأشرف على تجارة السيدة خديجة فزاد مالها تحت إشرافه ثم تزوجها وكانت أول من آمن برسالته.
وكان النبي معروفا بالصادق الأمين في مكة وقد لجأت إليه القبائل لحل مشكلة نقل الحجر الأسود. ولم يعرف عنه السجود لأى صنم أو الأكل من القرابين المقدمة للأصنام.
وعندما بدأت دعوته كانت زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب خير سند له. وقد لاقى النبى كثيرا من الأذى من قريش. وانقسم المؤمنون الأوائل إلى فريقين: المستضعفون مثل بلال بن رباح وعمار بن ياسر، وأشراف قريش وأثريائها مثل عثمان بن عفان وحمزة بن عبد المطلب.
ثم استعرضت الهجرة الأولى للحبشة وموقف الملك النجاشي المؤيد للمسلمين وحمايتهم وقال أن الإسلام والمسيحية قد خرجا من مشكاة واحدة. وبقى بعض المسلمين لمدة استمرت ١٥ عاما.
ثم تناولت الهجرة الثانية إلى يثرب بعد ما لاقاه المسلمون من عنت وتعذيب من قريش. واستعرضت معاني الفداء في موقف علي بن أبي طالب الذي نام في فراش النبي ليلة الهجرة، ومعنى الصداقة في موقف أبي بكر الصديق الذي لازم النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة ولم يفترقا حتى وفاة النبي وأصبح أول خليفة للمسلمين من بعده.
وقد نجح النبي في تأليف نفوس الفرقاء في يثرب حيث تصالح الأوس والخزرج وأصبحوا جميعا أنصارا للنبي والمهاجرين. وتأسست دولة المدينة لتكون نواة للحضارة الإسلامية التي استمرت لعدة قرون.
كما تناولت الصراع بين المسلمين واليهود والذي كان سببه إخلال اليهود بالعهد.

ثم تحدث د. أحمد صالح محمد( أستاذ مساعد التاريخ الإسلامي بكلية الآداب - جامعة حلوان ):
وتناول موضوع "دور التقويم الهجري في توثيق الأحداث التاريخية الإسلامية"، حيث شرح أهمية التقويم في حياة الأمم وأهمية التقويم الهجري. ودارت كلمته حول ثلاث محاور : الشخصية الإسلامية، التقويم قبل الإسلام ثم التقويم الهجري في عهد عمر بن الخطاب.
وحول الشخصية الإسلامية فقد قال الدكتور أحمد صالح أن تشكيل الشخصية الحضارية الإسلامية كان لابد أن يكتمل بتقويم يؤرخ للمسلمين. ثم استعرض المحور الثاني متناولا التقويم المصري القديم، و الجريجوري، والميلادي الذي يبدأ بميلاد المسيح، والتقويم القبطي الذي يرجع البعض جذوره إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
وتتميز الشخصية الإسلامية بعدد من المقومات الأخلاقية المستمدة من المرجعية الدينية للإسلام وقد نضجت عبر أحداث التاريخ الإسلامي من نضال لنشر الدعوة وغزوات في سبيل الله ومحاولة ضبط المجتمع.
وقد اختلف التقويم أيام الجاهلية فأرخ بعضهم تاريخهم برئاسة عمرو بن ربيعة وأرخت بعض القبائل لنفسها بعام الغدر الذي نهب فيه بني يربوع كسوة الكعبة والقرابين المقدمة للآلهة، ولاحقا قامت بعض القبائل بالتأريخ لنفسها بعام الفيل، كما أرخ بعض العرب في اليمن تاريخهم بعام الأخدود.
وفي عام ٤١٢ م اجتمع بعض العرب للتوافق حول التقويم والأنشطة المرتبطة بالشهور فخصص بعضها للتجارة وبعضها للحج وخصصت شهور للحرب ومن هنا حددت الأشهر الحرم التي تم تحريم القتال خلالها وسمى شهر ذي القعدة نسبة إلى القعود عن القتال ورجب من رجب النصال أى كسر النصال عن الأسهم وذي الحجة للحج.
وبعد الهجرة إلى المدينة سمى العرب السنوات العشر أسماء فعام الهجرة سمي باسمها والسنة الخامسة كانت سنة الزلزلة حيث وقعت غزوة الأحزاب والسابع عام الاستغلاب للقضاء على خيبر في شمال المدينة والثامن عام الاستواء لفتح مكة والعام العاشر عرف باسم عام حجة الوداع.
وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بدأ التقويم الهجري مع عصر التأسيس الثاني لدولة المسلمين مع تأسيس الدواوين وانتشرت المكاتبات الرسمية التي كانت تؤرخ بالأشهر دون ذكر السنة وعندما عرضت وثيقة صك قضاء دين في شعبان على عمر بن الخطاب حار في أمر وقت القضاء أى شعبان يكون وبالتالي ظهرت أهمية التأريخ بالسنة.
واستبعدت سنة ميلاد النبي حتى لا يتشابه التقويم الإسلامي مع الميلادي حرصا على تميز الشخصية الإسلامية ومن هنا اختير عام الهجرة الشريفة واقترح البعض أن يبدأ من شهر ربيع لكن عمر قال أن تبدأ بمحرم حيث أنه شهر يحرم فيه القتال وتختم بشهر ذي الحجة وهنا تبرز صفة أخرى للشخصية الإسلامية وهى حب السلام والحرص على إرسائه في دنيا الناس.

وختاما تحدثت د. إجلال على إبراهيم باحث أول بمركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية وتناولت صورا مختلفة من مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية عبر العصور. وقد نالت رأس السنة قدرا كبيرا من الاهتمام من المسلمين وكان الفاطميون أحرص الناس على الاحتفال بتلك المناسبة التي كان يتم التجهيز لها منذ أواخر شهر الحجة وليلة أول محرم كان يتم مد موائد الطعام والحلوى لكبار رجال الدولة والخليفة. وكان المطبخ الملحق بالقصر يقدم الطعام مجانا من خراف وماشية مطهوة للجميع خاصة فقراء القاهرة والفسطاط.

وأول يوم محرم يجتمع كبار رجال الدولة في أزهى ملابسهم أمام قصر الخليفة وينطلق موكب الخليفة على أصوات الأبواق وكان الخليفة يخرج في عباءة بيضاء وعمامة بيضاء يتوسطها جوهرة عظيمة تسمى "اليتيمة".

ويسير الموكب في شوارع القاهرة والفسطاط بين الناس ويدخل الخليفة القاهرة من باب العيد ويوزع صرر الدراهم والدنانير على الأمراء و الوزراء الذين يفعلون المثل مع عامة الناس.

وكان ذلك عكس يوم عاشوراء الذي كان يوما حزينا في عصر الفاطميين وكان الموكب الحزين يتوجه إلى جامع الأزهر أو المشهد الحسيني ويجتمعون قبل صلاة الظهر وكانت الموائد موائد حزن عليها عدس وأطعمة قليلة ويجلس الجميع في ملابس الحداد لتناول الطعام.

وفي عصر الأيوبيين الذين كانوا من السنة حرموا مظاهر الحداد المبالغ فيه بمناسبة عاشوراء ولكنهم أبقوا على مظاهر الاحتفال الفاطمية في رأس السنة الهجرية وإن كانت أقل في البذخ مراعاة للنفقات في ظل المواجهات والجهاد ضد الصليبيين.
وعاد البذخ مرة أخرى في عصر المماليك وكان السلطان يجمع الوزراء والحاشية والشعراء احتفالا برأس السنة وهو ما ورد ذكره وتفصيله في صبح الأعشى للقلقشندي، وتحول عاشوراء إلى يوم احتفال كبير حرصت النساء على شراء اللبن فيه تفاؤلا بالعام الجديد. واستمرت تلك التقاليد في العصر العثماني مع ضرب المدافع للاحتفال ، وحلقات الذكر في المساجد الكبرى. وفي عصر الملك فاروق تواصلت مظاهر البهجة والاحتفال في مشيخة الأزهر الشريف.