رانيا المشاط: توجيهات رئاسية بإيلاء أهمية قصوى باستراتيجيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة من التقنيات الحديثة


شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في الفعالية التي نظمتها جامعة الأمم المتحدة UNU ضمن فعاليات مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا (تيكاد 9)، حول «الحوكمة في العصر الرقمي: دروس لقارة أفريقيا»، وذلك بمشاركة عدد من الوزراء ومسئولي الحكومة اليابانية ودول القارة والأمم المتحدة.
وفي كلمتها أكدت الدكتورة رانيا المشاط، على أهمية هذه الفعالية التي تنظمها جامعة الأمم المتحدة، خاصة في ظل التحول الذي يشهده العالم لتصبح التقنيات الرقمية – وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي – ليست مجرد أدوات هامشية، بل أصبحت محركات أساسية للتعامل مع التحديات التنموية المعقدة والمتشابكة. فمن تعزيز خدمات الرعاية الصحية والتعليم، إلى دعم القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، أصبحت التكنولوجيا عاملاً محدداً لكيفية قدرة الدول على القفز بمراحل التنمية.
ومع ذلك، فإن هذه الإمكانات الهائلة تفرض ضرورة ملحة لبناء أطر حوكمة قوية تضمن أن تسهم الابتكارات في خدمة البشر على نحو عادل ومستدام.
وأكدت أن الذكاء الاصطناعي أصبح قوة دافعة تعيد تشكيل نماذج التنمية، وتفتح آفاقاً جديدة للنمو، وفي الوقت نفسه تطرح تحديات عميقة تستدعي حوكمة فعّالة وتعاوناً دولياً، لافتة إلى أن قارة أفريقيا لديها إمكانيات كبيرة وطموحات مشروعة، ومسؤولية جماعية لصياغة نموذج أفريقي لحوكمة الذكاء الاصطناعي، في ظل وجود أكثر من 60% من سكانها تحت سن الخامسة والعشرين، وتوسع اقتصادها الرقمي الذي من المتوقع أن يضيف أكثر من 180 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للقارة، تتمتع أفريقيا بفرصة فريدة لتسخير الذكاء الاصطناعي كمحرك للتنمية الشاملة والمستدامة.
وأشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى التوجيهات الرئاسية بوضع استراتيجيات واضحة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتعزيز جهود البحث والتطوير، لافتة إلى أن مصر أدركت أهمية الذكاء الاصطناعي، ليس فقط كأداة تقنية، بل كمحفز استراتيجي للتنمية والسيادة الرقمية والعدالة الاجتماعية. ومن هذا المنطلق، اتخذت الحكومة المصرية خطوات رائدة في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي وبناء القدرات لضمان مواكبة التسارع الكبير في تطوير هذه التقنية، بدءاً من إنشاء "المجلس الوطنيللذكاء الاصطناعي" عام 2019، ومركز الابتكار التطبيقي، وإطلاق "الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول"، وصولاً إلى المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مطلع هذا العام.
ونوهت بأن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، تُركز على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإعطاء أولوية للبحث العلمي في مختلف المجالات الاقتصادية والخدمية، مع العمل أيضاً على صون التراث اللغوي من خلال تسهيل إتاحة التكنولوجيا باللغة العربية.
وفي ذات الوقت أشارت إلى أن مصر تعمل على دعم منظومة الشركات الناشئة لتمكين المبتكرين ورواد الأعمال من توظيف التقنيات الناشئة – وخاصة الذكاء الاصطناعي – في المجالات الحيوية. ونظراً للأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع بالنسبة لمستقبل النمو في مصر، دشنت الحكومة المجموعة الوزارية لريادة الأعمال، لتنسيق السياسات، وتحفيز الابتكار، وضمان حصول الشركات الناشئة على الدعم اللازم للتوسع والمنافسة عالمياً. وإلى جانب ذلك، توسع مصر برامج التدريب على الذكاء الاصطناعي لإعداد جيل جديد من القادة القادرين على توظيف التقنيات الرقمية بشكل مسؤول وفعّال.
وعلى الصعيد القاري، أضافت أن مصر عملت على نقل خبراتها الواسعة في هذا المجال الحيوي لخدمة باقي دول أفريقيا، وترسيخ مبادئ الحوكمة والاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي عبر القارة، بهدف تسخير هذه التكنولوجيا التحويلية لتحقيق أهداف التنمية والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وقد جاء ذلك في إطار التعاون جنوب–جنوب والتعاون الثلاثي، بما يعكس إيمان مصر بمبادئ التضامن والتعلم المتبادل وتبادل أفضل الممارسات بين الدول النامية.
وأكدت أن مصر قامت بدور رائد في صياغة "الاستراتيجية القارية الأفريقية للذكاء الاصطناعي"، التي أطلقت في أغسطس 2024، والتي تركز على الحوكمة الأخلاقية والشاملة والمستدامة للذكاء الاصطناعي. كما تساهم مصر من خلال عضويتها في "المجموعة الاستشارية للاتحاد الأفريقي حول الذكاء الاصطناعي وأثره على السلام والأمن والحوكمة"، ممثلة عن شمال أفريقيا.
وتحدثت عن المخاطر التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي رغم فوائده الكثيرة، فمن المتوقع أن يتأثر ما يصل إلى 25% من الوظائف حول العالم بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وفقاً لمنظمة العمل الدولية. كما حدد المنتدى الاقتصادي العالمي في "تقرير المخاطر العالمية 2025" التضليل ونشر المعلومات المضللة كأكبر تهديد عالمي على مدى العامين المقبلين، حيث تسهم التقنيات الناشئة في تسريع انتشارها، وتكشف كيف أن تآكل الثقة والتماسك الاجتماعي بشكل متسارع قد يعمّق الانقسامات داخل الدول وفيما بينها.
وشددت على أنه بدون حوكمة رشيدة، يمكن لهذه التهديدات – بدءاً من فقدان الوظائف وصولاً إلى التضليل الرقمي – أن تقوّض الثقة، وتعمّق من حدة عدم المساواة، وتزعزع استقرار المجتمعات؛ ولهذا، تؤمن مصر إيماناً راسخاً بأن العالم بحاجة إلى إطار شامل ومرن لحوكمة الذكاء الاصطناعي، قائم على المبادئ الأخلاقية والشفافية والمساءلة والعدالة. إطار يضمن حماية الخصوصية، وتعزيز الأمن.
ونوهت بأن الاجتماع الحالي في إطار مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا ينطوي على فرص حقيقية للتعاون ومد الجسور بين القارات، لتبادل المعرفة، وبناء القدرات، والمشاركة في صياغة أنظمة لحوكمة الذكاء الاصطناعي تصون قيمنا – ومستقبلنا، مشيرة إلى ترحيب مصر بالتعاون مع اليابان والأشقاء الأفارقة لتعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي وتحويله لقوة دافعة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.