ما حكم تزويج المرأة نفسها دون ولي؟.. الإفتاء تجيب


يتساءل بعض الناس عن حكم تزويج المرأة نفسها فقد يثار جدل كبير حول هذه المسألة الفقهية ولا يعرف كثيرون ما هو الحكم الشرعي لذا نعرض لكم ما أصدرته دار الإفتاء المصرية بشأن حكم تزوجي المرأة نفسها في الشرع الشريف.
حكم تزويج المرأة نفسها
أثار موضوع تزويج المرأة البالغة نفسها دون ولي جدلًا واسعًا، حيث انقسمت المذاهب في حكمه.
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن عقد الزواج لا ينعقد إلا بولي، بكرًا كانت المرأة أو ثيِّبًا، مستندين إلى نصوص واضحة تؤكد أن الولي ركن أساسي في صحة النكاح. ونقل العلماء عن الشيخ عليش المالكي، وابن حجر الهيتمي الشافعي، والإمام البهوتي الحنبلي، نصوصًا صريحة تؤكد بطلان النكاح دون ولي.
في المقابل، رأى فقهاء الحنفية أن للمرأة البالغة العاقلة أن تعقد زواجها بنفسها دون ولي، معتبرين أن عقدها صحيح ونافذ شرعًا، وإن كان الأولى لها أن توكِّل وليها للخروج من الخلاف، وتجنبًا لما قد يراه البعض من مخالفة للعرف أو الوقاحة، غير أنهم اشترطوا لصحة العقد أن يكون الزوج كفئًا لها، وأن يكون المهر مهر المثل، وإلا كان للولي حق الاعتراض ورفع الأمر إلى القاضي للفصل فيه.
ويكشف هذا الخلاف الفقهي عمق الاجتهاد في قضايا الأحوال الشخصية، حيث حرص الفقهاء على الجمع بين حفظ حقوق المرأة وصيانة الأسرة، مع مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج من مودة ورحمة وحفظ للأنساب.
حكم الزواج سرًّا دون إعلان
الفقهاء مختلفون في حكم عقد الزواج الذي يتم إخفاؤه عمدًا مع التواصي بكتمانه، وذلك على رأيين رئيسيين، نابعين من اختلاف تفسيرهم لحديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» أخرجه الإمام ابن ماجه.
كما يرجع الاختلاف بينهم إلى تباين فهمهم للروايات التي تنهى عن "نكاح السِّرِّ"، مثل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم «نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط".
وما جاء عن عمرو بن يحيى المَازِنِي، عن جدِّه أبي حَسَن، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم «كَانَ يَكْرَهُ نِكَاحَ السِّرِّ حَتَّى يُضْرَبَ بِدُفٍّ وَيُقَالَ: أَتَيْنَاكُمْ، أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيُّونَا، نُحَيِّيكُمْ» أخرجه الإمام أحمد.
أما الرأي الأول: فهو موقف أغلبية الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، ويذهبون إلى أن مثل هذا الزواج صحيح شرعًا ما دام قد استكمل أركانه وشروطه، حتى لو لم يتم الإعلان عنه خارج نطاق الشهود، ودليلهم: أن حضور شاهدين يعد إعلانًا كافيًا، وأنَّ نكاح السر هو الذي لا يشهد عليه أحد، بينما ما شهد عليه يُعتبر علانية.
قال الإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 253، ط. دار الكتب العلمية): [نكاحُ السِّرِّ ما لم يحضره شاهدان، فأمَّا ما حضره شاهدان، فهو نكاح علانية، لا نكاح سرٍّ؛ إذ السِّرُّ إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سِرًّا] اهـ.
وقال الإمام أبو الحسن المَاوَردِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (9/ 59، ط. دار الكتب العلمية): [أمَّا نهيه عن نكاح السِّرِّ، فهو النِّكاح الذي لم يشهده الشُّهود] اهـ.
وقال الإمام البُهُوتي الحنبلي في "دقائق أولي النُّهَى" (2/ 648، ط. عالم الكتب): [ولا يبطله، أي: العقد تواص بكتمانه؛ لأنه لا يكون مع الشهادة عليه مكتومًا، ويكره كتمانه قصدًا] اهـ.
أما الرأي الثاني: فهو مذهب المالكية، ويقضي ببطلان مثل هذا الزواج؛ لأنه يندرج تحت نكاح السر المنهي عنه شرعًا، ويُعرف بأنه: "ما أوصى فيه الزوجُ الشهودَ بكتمه عن زوجته، أو عن جماعةٍ ولو أهل منزلٍ"، كما في "الشرح الكبير" للإمام أبي البركات الدَّرْدِير (2/ 236، ط. دار الفكر)، ولو كان الشهودُ "مائة شاهد"، كما في "التوضيح" للإمام خليل بن إسحاق (3/ 574، ط. مركز نجيبويه).
وبناءً على ما يتبناه المالكية، فإنَّ عَمْدَ إخفاء الزواج عن الجهات الرسمية بعدم توثيقه يُعد شكلًا من أشكال عدم إشهاره، وذلك لأنَّ مفهوم الإشهار في العصور الماضية كان يقتصر على إخبار الناس في محيط الزوجين، حيث يوفر ذلك حماية للزواج سواء في الدعاوى القضائية، أو في دفع الشبهات ورفع الاتهامات عنهما أمام المجتمع، وتسهيل مصالحهما الشخصية أو العامة أمام الخليفة أو نوابه كالأمراء وغيرهم؛ إذ من المعروف أن "الشهود يَهْلِكُون" -كما في "البيان والتحصيل" للإمام أبي الوليد بن رُشْد القُرْطُبِي الجد (5/ 165، ط. دار الغرب الإسلامي)-، لذا كان الإشهار ومعرفة العامة هو الوسيلة لحفظ الحقوق في غياب الشهود.
أما في عصر الدولة المدنية المعاصرة، مع التقدم التكنولوجي والأنظمة المعلوماتية المنظمة، وزيادة عدد السكان بشكل كبير حتى أصبح بعضهم لا يعرف الآخر إلا في دائرة ضيقة، وتغير طرق التحقق من الهويات والحالة الاجتماعية، يُرى أن تطبيق مفهوم الإشهار وتحقيق هدفه قد تغير، إذ أصبح معظم ما يتعلق بالهُوية يعتمد كليًّا على الوثائق الرسمية ووسائل الإثبات الحديثة والنظم الإلكترونية التي تديرها الدولة، مثل البطاقات الشخصية والأرقام الوطنية، بحيث لو علم آلاف من الناس بزواج رجل وامرأة دون توثيقه، ثم أنجبا طفلًا ورغبا في استخراج شهادة ميلاد له، أو الحصول على حقوق مثل التأمين الصحي ونحوه، أو السفر بين الدول -بل بين المدن داخل الدولة الواحدة-، أو الإقامة في فندق معًا، أو استئجار شقة، أو إنجاز أي إجراءات أخرى في مصلحة عامة أو خاصة، فإنهما لن يتمكنا من ذلك إلا بإثبات الزواج عبر النظام الإلكتروني الرسمي للدولة، حتى لو شهد عليه مئة كما سبق، ومن هنا أصبح إخبار ولي الأمر -المتمثل في السجلات العامة للدولة- هو جوهر الإشهار، بحيث إذا استوفى عقد الزواج شروطه الأخرى وتم توثيقه رسميًّا، دون إقامة عرس أو اكتفاء بالشهود أمام المأذون، فإن ذلك يحقق الإشهار المطلوب الذي يلبي مقصد الشرع منه، وهو حفظ الزواج وحقوقه من الإنكار، أما إذا حدث العكس بإخبار الجميع دون إخبار من يحمي الزواج، فإنه يُعد كتمانًا.