«كاد يخسر حلم التعيين بسبب ضعف البصر».. قصة معيد سوهاج الذي هاتفه وزيران بالحكومة


داخل أروقة كلية الآداب بجامعة سوهاج، كان اسم يوسف خلف فتح الباب، لامعا بين زملائه وأساتذته، فهو لم يكن مجرد طالب متفوق، بل كان الأول على دفعته طوال سنوات الدراسة بقسم التاريخ والحضارة، وعندما صدر قرار بتعيينه معيدًا بالجامعة، كان الخبر أشبه بوسام تتويج لرحلة طويلة من الاجتهاد والصبر.
لكن فرحة يوسف لم تكتمل، فخلال استكمال أوراق التعيين، أوقفه تقرير الكشف الطبي عند محطة لم يتوقعها، حينما اعتبره القومسيون الطبي “غير لائق” بسبب ضعف شديد في البصر، ناتج عن إصابته بالمهق (الألبينزم)، وهي حالة وراثية نادرة يفقد فيها الجسم صبغة الميلانين المسؤولة عن لون الجلد والشعر والعينين.
حلم مهدد بالانكسار
يوسف، الذي اعتاد أن يقهر صعوبات البصر منذ طفولته دون أن يطلب أي استثناء أو امتياز، وجد نفسه أمام كلمة واحدة تهدد حلمه: غير لائق.
يقول في منشور نشره عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "لم أمتحن يومًا في لجنة خاصة، ولم أطلب تكبير الخط في الامتحانات، ولا وقتًا إضافيًا، كنت أذاكر من نفس الكتب والمذكرات كباقي زملائي رغم معاناتي مع الخطوط الصغيرة… واليوم يخبرونني بأني غير لائق! أي منطق هذا؟”.
ظل يوسف يدور بين الجامعة والقومسيون الطبي لأكثر من ثلاثين يومًا في حلقة مفرغة، محاولًا إثبات حقه، فيما كان زملاؤه يستلمون عملهم الجديد، وهو يراقبهم بحسرة وألم داخلي، شعر معه بالتمييز والخذلان.
ويقول يوسف: "عندما نقول لشخص ألبينو أنت غير لائق للعمل في مهمة علمية يستحقها، فبماذا إذن يكون لائقًا؟ هل يكون لائقًا للعمل تحت أشعة الشمس مثلًا وهو يُطلق عليه "عدو الشمس" لعدم وجود صبغة الميلانين في جلده وهذه الصبغة تحمي الإنسان من أشعة الشمس الضارة لذلك مثلًا تجد بعض الأوروبيين لا يتحملون الشمس لفترة طويلة لأن بشرتهم تحتوي على صبغة قليلة من الميلانين، لكنها موجودة لديهم على كل حال أما في حالة الشخص الألبينو تكون الصبغة عنده منعدمة بشكل كلي. فإذا كان الشخص الألبينو غير لائق للعمل تحت الظل فبماذا يكون لائقًا؟! للعمل تحت أشعة الشمس مثلًا؟؟؟... ولماذا نسلب الإنسان حقه من أجل شيء لا دخل له فيه؟؟؟.
وتابع: "أنا أطالب بحقي في النهاية، ولكن أحببت أن أوضح أني أول المستحقين، ولكنهم مع ذلك جعلوني "غير لائق"! فهل هذا شيء يقبله العقل والمنطق؟! إني أود أن يصل صوتي إلى آفاق العالم، لأني أطالب بحقي. فإذا كان الذي مثلي غير لائق رغم اجتهاده وتغلبه على ظروفه، فمن ذا الذي يكون لائقًا؟!".
واختتم منشوره قائلا: "في النهاية أود أن أقول إنني أضأت حياتي بنفسي دائمًا بشمعة يضيئها عقلي وعزيمتي، بيد أن العالم يحاول أن يطفئ هذه الشمعة دومًا، وإني غير آسف على ما أقول، ذلك لأني كنت على صواب، وإني الآن على صواب، بل لطالما كنت مصيبًا".
صوت إنساني يهز المسؤولين
قصة يوسف لم تمر مرور الكرام، إذ رصدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليتدخل الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي بنفسه، ويتواصل مع يوسف مطمئنًا إياه بأن إجراءات تعيينه لن تتوقف بسبب تقرير طبي.
كما أجرى الوزير اتصالًا بالدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان، ليتم الاتفاق على أن يتولى قسم الرمد بمستشفى سوهاج الجامعي متابعة حالة يوسف، واتخاذ كل ما يلزم لضمان استكمال أوراقه الطبية، مساويًا بزملائه في الحقوق.
نموذج للتفوق رغم التحدي
من جانبه، أعلن الدكتور حسان النعماني رئيس جامعة سوهاج، إنهاء أزمة الطالب يوسف رسميًا، مؤكدًا: "يوسف الأول على دفعته، وصدرت قرارات تعيينه معيدًا ضمن القرار 1572 لسنة 2025، الجامعة تدعم المتفوقين، وضعف البصر لم يمنعه من التفوق يومًا، فالعلم يعتمد على العقل والإرادة، وليس على سلامة الجسد فقط”.
وأضاف أن الجامعة، بالتنسيق مع وزارة الصحة، تكفلت بمتابعة حالته الصحية في مستشفى الجامعة، ليبدأ مسيرته الأكاديمية معيدًا كما يستحق.