مفتي الجمهورية: غياب الفهم الصحيح للإسلام والاعتماد على القراءات الانتقائية سبب نشأة الإسلاموفوبيا
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الدعوة الإسلامية تواجه في العصر الحديث تحديات فكرية جسيمة تتنوع بين الفكر الاستشراقي المتعصب الذي يسعى إلى تشويه صورة الإسلام والفكر اللاديني الذي يدفع إلى الإلحاد والطعن في الوحي والرسالات فضلًا عن الفكر المتطرف الذي أفرز جماعات العنف والإرهاب، فأساء إلى الدين وشوه صورته أمام العالم.
نص كلمة مفتي الجمهورية في ندوة كلية أصول الدين بالقاهرة
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن هذه التحديات أفرزت ظواهر سلبية مؤلمة من أبرزها تصاعد موجات الإسلاموفوبيا وخطابات الكراهية والعنف العنصري بما يهدد قيم العيش المشترك والأمن الإنساني العالمي ويجعل من الضروري اتخاذ موقف علمي راسخ يقوم على بيان الحقائق وكشف الزيف وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في المحافل الدولية
جاء ذلك خلال كلمة مفتي الجمهورية في الندوة العلمية التي نظمتها كلية أصول الدين بجامعة الأزهر تحت عنوان "منهجية عرض صحيح الإسلام في المحافل الدولية – تجربة ذاتية".
وأوضح مفتي الجمهورية أن المؤسسات الدينية الرسمية مطالبة بأن يكون لها حضور فاعل ومؤثر في المؤتمرات والمنتديات العالمية لتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام ومواجهة ما يُلصق بالأمة من تهم باطلة.
وأكد أن المنهجية التي تتبعها المؤسسات الدينية في هذا الإطار ترتكز على مجموعة من الأسس الفكرية والعلمية يأتي في مقدمتها ترسيخ ثقافة الحوار الديني والثقافي باعتبارها الأساس الحقيقي لبناء الحضارات الإنساني.
المفتي: الأديان في جوهرها لم تكن يومًا سببًا للفرقة بل عامل للوحدة
وفي سياق متصل تناول المفتي أهمية الحوار الديني في عصرنا الراهن، مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وجعل من الحوار وسيلة للعمران والبنيان والتفاهم بين الناس، إلا أن الواقع المعاصر يشهد تراجعًا واضحًا في ممارسة الحوار النزيه القائم على البحث عن الحق، بعدما صار حكرًا على فئة قليلة تنتمي إلى توجهات فكرية أو خلفيات أيديولوجية محددة، فاختفى بذلك الحوار الذي يُعبَّر من خلاله عن الحقيقة بروح الإنصاف والاحترام المتبادل.
وأوضح أن التاريخ أثبت أن الحوار الصحيح كان ولا يزال هو البيئة العلمية الحقيقية التي تنضج فيها العقول وتتلاقى فيها الرؤى للوصول إلى الصواب.
وأكد أن الأديان في جوهرها لم تكن يومًا سببًا للفرقة بل قوة للوحدة الإنسانية لأنها تلتقي جميعًا على قيم العدل والرحمة والصدق موضحًا أن الحوار ليس ترفًا فكريًا وإنما ضرورة وجودية لضمان بقاء الإنسانية وتحقيق السلام العالمي وأن تعزيز قيم التفاهم والتعايش هو السبيل لتصحيح الصورة المشوهة عن الأديان في مواجهة حملات التشويه المغرضة التي تسعى إلى بث الفرقة والكراهية.
كما نبه على أن التحديات التي تواجه الحوار جسيمة تبدأ من التطرف والغلو وتمتد إلى إساءة استخدام التقنية وقطع الصلة بين الأجيال ومحاولات إعادة تشكيل المجتمعات على أسس مادية بحتة تخلو من الروابط الروحية والإنسانية.
وأوضح المفتي أن المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية حريصة على دعم كل المبادرات التي تهدف إلى بناء الجسور الحضارية بين الشعوب والثقافات وإحياء القيم الأخلاقية والروحية التي شكلت جوهر الحضارات عبر التاريخ.
وأشار إلى أن من أهم مرتكزات عرض صحيح الإسلام في المحافل الدولية التأكيد على القيم الإنسانية في الرسالة المحمدية التي تجلت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا مصداقًا لقوله تعالى ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ حيث كانت بعثته رحمة عامة للبشرية ورأفة بالمؤمنين وقد قامت شريعته على الصدق والعدل كما قال تعالى ﴿وتمت كلمت ربك صدقًا وعدلًا﴾ لتكون مقاصدها قائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد وصيانة الضروريات الخمس التي تحفظ للإنسان حياته وكرامته واستقراره.
المفتي: الإسلام جاء حاملًا منظومة متكاملة من القيم تحفظ كرامة الإنسان
ولفت المفتي إلى أن عرض صحيح الإسلام في المحافل الدولية لا يتحقق إلا برؤية علمية واعية ومنهج يقوم على الرحمة والحوار والتعايش الإنساني واحترام التنوع الثقافي والديني بما يسهم في بناء عالم أكثر عدلًا وإنصافًا يحقق مقاصد الشرع في عمارة الأرض وخدمة الإنسان، مؤكدًا أن الإسلام جاء حاملًا منظومة متكاملة من القيم التي تحفظ للإنسان كرامته وتصون للمجتمع استقراره وتضمن للعالم أمنه وسلامه، وأن من بين هذه القيم الإنسانية العظمى التي جاء بها الإسلام.
وأكد عليها نبينا صلى الله عليه وسلم "قيمة المساواة" بين الناس جميعًا، فقد روى سعد رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾».
كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: لا يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟»، ثم قام فاختطب، فقال: «إنما أهلك الذين قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
وصرح صلى الله عليه وسلم بأن الفضل لا يقاس بالأنساب ولا بالألوان ولا بالأجناس، وإنما يقاس بالتقوى والعمل الصالح، فقال: «إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى.





















