خولة بنت ثعلبة.. جادلت الرسول ﷺ وأنزل الله فيها قرآنًا وطأطأ لها عُمر رأسه

خولة بنت ثعلبة، صدر الدعوة الإسلامية يذخر بالمواقف المأثورة، والتي تؤخذ منها العبر والحِكَمْ، ففي إحدى البيوت الإسلامية بالمدينة المنورة، كانت تقيم السيدة خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَة وزوجها أوس بن الصامت -شقيق الصحابي عبادة بن الصامت- رضي الله عنهما، وحدث أن راجعت خولة زوجها في شيء؛ فغضب، فقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، أي محرمة عليّ مثل أمي، ثم بعد ذلك أراد أن يباشرها كما يباشر الرجل زوجته؛ فأبت وامتنعت عنه، وذهبت إلى النبي ﷺ لتشكو زوجها إليه.

اقرأ أيضًا: قصر عمر بن الخطاب في الجنة.. بشره به النبي ﷺ

وروى أحمد، وغيره عن خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَة رضي الله عنها قالت: (وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَامِتٍ أنزل الله عز وجل صدر سورة المجادلة، قالت: كنتُ عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خُلُقُه وضجر، قالت: فدخل عليَّ يوماً فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ، فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: فقلت: كلا، والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبني، وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها، ثم خرجت حتى جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه صلى الله عليه وسلم ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا خويلة! ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه، قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُرّي عنه، فقال لي: يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك. ثم قرأ عليَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة: 1) إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المجادلة:4)، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، قالت: فقلت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قالت: فقلت: والله يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، قالت: قلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنا سنعينه بعرق من تمر، قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، قال: قد أصبتِ وأحسنت، فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا، قالت: ففعلت).

اقرأ أيضًا: «نسألك بنور وجهك الكريم».. دعاء لإزالة الهم ومغفرة الذنوب «فيديو»

ومما ورد في هذه الصحابية، ما أخرجه ابن حبان وصححه الألباني عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تبارك الذي وسِعَ سمعُهُ كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفَى علَيَّ بعضه وهي تشتَكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أَكَل شَبابي، ونثرتُ له بَطني، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطع ولَدي، ظاهرَ منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليك، فما برِحَتْ حتَّى نزل جِبرائيل بِهَؤلاءِ الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} سورة المجادلة.

نصيحتها لعمر

رُوي في الأثر، أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه خرج من المسجد ومعه الجارود العبدي، فظهرت امرأة على طريقهما؛ فسلم عليها عمر الفاروق؛ فردت عليه السلام، وقالت: هيهات يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي عليه الفوت.

قال الجارود: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر: دعها، أما تعرفها، فهذه خولة بنت حكيم امرأة أوس بن الصامت، التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، فعمر والله أحق أن يسمع لها.

اقرأ أيضًا: بر الوالدين.. أحب الأعمال إلى الله ووصية الرسول ﷺ

موقفها يوم اليرموك

وفي معركة اليرموك التي هزم فيها المسلمون جيوش الروم (الإمبراطورية البيزانيطة) والمكونة من: الروس، والسلاف، والفرنجة، والروم، والإغريق، والجورجيون، والأرمن، والعرب النصارى وكان عددهم 240 ألفًا مسلحين بأحدث الأسلحة العالمية حينها؛ بينما كان جيش المسلمين قوامه 36 ألف مقاتل فقط بأسلحة تقليدية، كان في بداية المعركة التي استمرت 6 أيام انسحاب وكر وفر بين بعض كتائب الجيش الإسلامي فوقفت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها تحث الجنود على الكر قائلة: «يا هاربًا عن نسوة تقيات.. فعن قليل ما ترى سبيات.. ولا حصيات ولا رضيات»، وهو حث يلهب مشاعر النخوة في قلوب العرب؛ فقد عرفت بالفصاحة، والشعر، والجرأة، رضي الله عن التي جادلت الرسول الأكرم ﷺ.