«نانا شيدا» ونفق الحياة.. حكايات مرعبة من الحرب البوسنية
- حرب البوسنة.. بين 200 ألف شهيد ونفق الأمل
حرب البوسنة، قاسية هي العنصرية وظالمة حين تتعلق بالحق في الحرية والحياة؛ أصحبك عزيزي القارئ في السطور التالية إلى حقبة تاريخية قبل ثلاثة عقود، حين حدث زلزال سياسي هز العالم أجمع بانهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، وما أعقبه من أحداث كانت أهمها وأكثرها وحشية، وفظاعة الحرب البوسنية.
تفككت الجمهوريات الإسلامية مع انهيار الاتحاد السوفيتي، مثل: كازخستان، وتركمانستان، وأوزباكستان، كما انهارت دولة يوغسلافيا ثم استقلت كرواتيا وصربيا، ومعهما طالبت البوسنة الإسلامية الاستقلال؛ فرفضت صربيا وكرواتيا واندلعت الحرب البوسنية.
حرب أظهرت قبح ووحشية صربيا وكرواتيا وعنصريتهما الدينية المسيحية؛ إذ صادرتا حرية مسلمي البوسنة رغم أنهما أقرا هذه الحرية لأنفسهما بالاستقلال، وتم إعلان الحرب على الشعب البوسني المسلم في إبريل 1992، وحتى ديسمبر 1995، وارتكبت العديد من المذابح المروعة بحق الملايين من الشعب البوسني، وتم تعذيب وقتل 200 ألف من المسلمين، وكانت أكبرها مذبحة سريبرينيتشا التي راح ضحيتها أكثر من 8000 مسلم من الرجال والنساء والأطفال تم قتلهم بدم بارد من قبل عناصر الجيش الصربي المجرم، إلى جانب اغتصاب عشرات الآلاف من النساء المسلمات على يد مجرمي الجيش الصربي، في حرب رفعت شعار الصليب، في تتابع للحروب الصليبية على الشرق الأوسط قبل عدة قرون.
«نانا شيدا» ونفق الأمل والحياة
حي هادئ في ضاحية ساراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، كان يسكنه رجل وزوجته وطفلهما الذي يبلغ من العمر عامين، ذهب رب الأسرة إلى عمله صباحًا، فسمع صوت القصف الذي كان إيذانًا باندلاع الحرب البوسنية، وتم محاصرة العاصمة ساراييفو، ومنزله في ضاحية إلى جوار المطار، وعندما أراد العودة إلى منزله لحماية زوجته وطفله، لم يستطع ذلك لمدة 3 سنوات لاشتداد الحصار غير الإنساني الذي فرضه الجيش الصربي.
ومع اندلاع الحرب البوسنية حدث أكبر حصار في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية، والذي استمر لنحو 4 سنوات، وتحديدًا لمدة 1400 يوم، وهو ما أدى إلى وفاة 12 ألف مواطن من مسلمي البوسنة جراء نفاد الطعام، وخسر عشرات الألاف 30 كجم من أوزانهم، مع فقد 200 ألف مسلم حياتهم قتلًا على يد الجيش الصربي الذي غضت دول العالم المسيحي الطرف عنه لكون الضحايا من المسلمين!
وفي الإطار حاولت بعض الدول العربية، والإسلامية دعم المسلمين المحاصرين في العاصمة البوسنية ساراييفو، ونفذت المملكة العربية السعودية جسرًا جويًا لنقل المواد الغذائية إلى مئات الآلاف من قاطني ساراييفو.
فكرة نفق الأمل
ومع حصار العاصمة سراييفوا لم يكن من الممكن إيصال المساعدات الإنسانية في ظل القصف الصربي المتواصل على المناطق المحيطة بالعاصمة؛ وعليه تم التفكير في حفر نفق من خارج العاصمة إلى داخلها، وتم اختيار أحد المنازل لبدء حفر النفق، ووقع الاختيار على منزل تسكنه مسنة تبلغ من العمر نحو 65 عامًا وتدعى «نانا شيدا».
أبطال المقاومة البوسنية، أخبروا «نانا شيدا» بما يرغبون به لحفر نفق وإيصال المساعدات الغذائية إلى المحاصرين داخل العاصمة ساراييفو؛ فقالت: «لن أوافق إلا بشرط واحد»، قالوا: وما هو؟ فردت: أن أساعدكم في الحفر؛ وكان لها ما أرادت، إذ كانت تمد الأبطال بالمياه والطعام، وأدوات الحفر حتى تم الانتهاء من حفر النفق.
نجاح وحياة
نجح أبطال المقاومة البوسنية في حفر نفق الحياة الذي عبره مليوني إنسان، وفي يومه الأول تم إدخال 12 طنًا من المواد الغذائية وعبور أكثر من 4000 مواطن من المحاصرين، وبعد مرور 3 سنوات على اندلاع الحرب عاد المواطن الذي ترك أسرته إلى زوجته وطفله عبر نفق الأمل والحياة.
وبلغ طول النفق 800 متر، وعرضه متر واحد، وارتفاعه 1.60 متر، واستمر الحفر فيه شهرين، وكان كل بطل من أبطال المقاومة البوسنية يدخل النفق ليحفر لمدة 5 دقائق حتى ينقطع عنه الأوكسجين؛ ثم يخرج، ويدخل غيره ليكمل الحفر.
وأضحت «نانا شيدا»، بطلة قومية، إذ تحيا حياتها الآن بعد أن بلغت من العمر 95 عامًا، وهي البطلة التي ضربت المثل في حب الوطن، والتضحية بالنفس، والمال، والدم، والجهد، وتحظي بتقدير واحترام كبيرين لدى الشعب البوسني، وملايين من أصحاب الضمير الإنساني الحي.
