تكبيرات العيد متى تبدأ وما حكمها ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾
يبحث الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن تكبيرات العيد، وهي فرض في عيد الفطر، سنة نبوية في عيد الأضحى، والتكبير لغة معناه: التعظيم، والمراد به شرعًا في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم، وإثبات الأعظمية لله في كلمة «الله أكبر»؛ كناية عن وحدانيته بالألوهية؛ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه، والناقص غير مستحق للألوهية؛ لأن حقيقة الألوهية لا تلاقي شيئًا من النقص.
تكبيرات عيد الأضحى، وشُرع التكبير في الصلاة؛ لإبطال السجود لغير الله، وشُرع التكبير عند نحر البُدْن في الحج لإبطال ما كانوا يتقربون به إلى أصنامهم، وكذلك شرع التكبير عند انتهاء الصيام بقوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]؛ ومن أجل ذلك مضت السُّنَّة بأن يكبِّر المسلمون عند الخروج إلى صلاة العيد ويكبِّر الإمام في خطبة العيد، وكان لقول المسلم: (الله أكبر) إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم، وأنه متنزه عن ضراوة الأصنام.
حكم التكبير في العيدين
تكبيرات عيد الاضحى، والتكبير في العيدين سُنَّة عند جمهور الفقهاء؛ قال الله تعالى بعد آيات الصيام: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، وحُمِل التكبير في الآية على تكبير عيد الفطر، وقال سبحانه في آيات الحج: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، وقال أيضًا: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ علَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28].
اقرأ أيضًا: بشرى من النبي ﷺ.. اعرف فضل صيام يوم عرفة «جبال من الحسنات»
وقال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ علَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: 37]، وحُمِل الذكر والتكبير في الآيات السابقة على ما يكون في عيد الأضحى، قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما نقله العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 593، ط. دار الكتب العلمية)؛ قال: [سمعت مَن أرضاه من العلماء بالقرآن يقول: المراد بالعدة عدة الصوم، وبالتكبير عند الإكمال، ودليل الثاني -أي: تكبير الأضحى- القياس على الأول -أي: تكبير الفطر-؛ ولذلك كان تكبير الأول آكد للنص عليه] اهـ.
حكم التكبير في عيد الفطر فرض
وقال الإمام ابن حزمٍ في "الْمُحَلَّى" (3/ 304، ط. دار الفكر): [والتكبير ليلة عيد الفطر فرضٌ، وهو في ليلة عيد الأضحى حسنٌ، قال تعالى: ﴿وَلِتُكَبّرُواْ ٱللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فبإكمال عدة صوم رمضان وجب التكبير، ويجزئ من ذلك تكبيرة] اهـ.
والتّكبير في أيام التشريق مَشْرُوعٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أيّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، ومع اتّفاق الفُقَهَاء على مشروعيَّة التّكبير في أيَّام التشريق، فإنَّهم يختلفون في حُكْمِه، فعند الحنابلة والشافعية وبعض الحنفية هو سنة لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، وهو مندوب عند المالكيّة، والصّحيح عند الحنفيّة أنّه واجب؛ للأمر به في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أيّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203].
وقت التكبير في العيدين
واختلف الفقهاء في وقت التكبير، فبالنسبة للبدء فإنه باتفاق الفقهاء يكون قبل بداية أيام التشريق، مع اختلافهم في كونه من ظهر يوم النحر كما يقول المالكية وبعض الشافعية، أو من فجر يوم عرفة كما يقول الحنابلة وعلماء الحنفية في "ظاهر الرواية" وفي قول للشافعية.
وأما بالنسبة للختم فعند الحنابلة والقاضي أبي يوسف والعلامة محمد من الحنفية، وفي قول للشافعية والمالكية يكون إلى عصر آخر أيام التشريق، وأما المالكية فإنهم يذهبون في المعتمد إلى أن يختم بالتكبير بصبح آخر أيام التشريق. ينظر: "الدر المختار" (2/ 180، ط. دار الفكر)، و"المجموع" (5/ 34)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/ 329، ط. عالم الكتب).
اقرأ أيضًا: اعرف أفضل دعاء في يوم عرفة.. يدخلك الجنة وقاله النبي ﷺ
وبالنسبة للتكبير جهرًا وجماعة فإِنَّهُ لَمَّا كان رفع الصوت بالتكبير في أيام العيد من الشعائر، فالتكبير الجماعي أقوى وأرفع صوتًا بلا شك، فكان هو المناسب لهذه الشعيرة، وفقهاء الحنفية أوجبوا التكبير أيام التشريق على الرِّجَال والنِّسَاءِ ولو مَرَّة، وإن زادوا على المرة يكون فَضْلًا، ويُؤدى جَمَاعَةً أو انْفِرَادًا، ويكون التكبير للرِّجَالِ جَهْرًا، وتخافت المرأة بالتكبير. يراجع: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (2/ 177-179).
أما المالكية فيندب عندهم التكبير للجماعة وللفرد؛ قال العلامة الصاوي في "حاشية الصاوي على الشرح الكبير" (1/ 529، ط. دار المعارف): [ويُسْتَحَبُّ الانفراد في التكبير حالة المشي للمُصَلَّى، وأما التكبير جماعة وهم جالسون في المصلى فهذا هو الذي استُحسن. قال ابن ناجي: افترق الناس بالقيروان فرقتين بمحضر أبي عمرو الفارسي وأبي بكر بن عبد الرحمن، فإذا فرغت إحداهما من التكبير كبرت الأخرى فسئلا عن ذلك؟ فقالا: إنه لحسن] اهـ.
تكبير عمر بن الخطاب
وروى الإمام مالك أثرًا في الموطأ عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئًا فكبَّر الناس بتكبيره، ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبَّر، فكبَّر الناسُ بتكبيره، ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمسُ فكبَّر، فكبَّر الناسُ بتكبيره حتى يتصل التكبيرُ ويبلغ البيتَ فيُعْلَم أن عمر قد خرج يرمي، قال مالك: [الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات، وأوَّل ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ثم يقطع التكبير] اهـ.
وقال أيضًا: [والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء مَن كان في جماعة أو وحده بمنى أو بالآفاق كلها واجب، وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج وبالناس بمنى؛ لأنهم إذا رجعوا وانقضى الإحرام ائتموا بهم حتى يكونوا مثلهم في الحل، فأما من لم يكن حاجًّا فإنه لا يأتم بهم إلا في تكبير أيام التشريق] اهـ. ينظر: "الاستذكار" (4/ 337، ط. دار الكتب العلمية)، و"المنتقى" (3/ 42، ط. دار السعادة)، و"شرح الزرقاني على الموطأ" (2/ 548-549، ط. دار الثقافة الدينية).
وأما الشافعية فيُندب عندهم التكبير جماعةً جهرًا؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 284، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وأمَّا (التكبير) في غيرهما -أي: الصلاة والخطبة- فضربان: (مرسل) لا يتقيد بحال، (ومقيد) يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة. (فالمرسل) ويسمى المطلق (من غروب الشمس ليلتي العيد)، أي: عيد الفطر وعيد الأضحى، ودليله في الأول قوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّة﴾، أي: عِدَّة صوم رمضان ولتكبروا الله، أي: عند إكمالها، وفي الثاني القياس على الأول، ويديمه (إلى) تمام (إحرام الإمام) بصلاة العيد؛ إذ الكلام مباح إليه، فالتكبير أولى ما يشتغل به؛ لأنه ذكر الله تعالى وشعار اليوم، فإن صلَّى منفردا فالعبرة بإحرامه. (ويرفع به الناس أصواتهم) ندبًا إظهارًا لشعار العيد (في سائر الأحوال) في المنازل، والطرق، والمساجد والأسواق، ليلا ونهارًا، واستثنى الرافعي من طلب رفع الصوت المرأةَ، وظاهر أن محله إذا حضرت مع الجماعة ولم يكونوا محارم، ومثلها الخنثى] اهـ.
التكبير في الطرق والأسواق والمنازل
قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 264، ط. دار المعرفة): [فإذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل ومسافرين ومقيمين في كل حال وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير] اهـ.
وقد حكى الإمام النووي أن جماعة من الصحابة والسلف كانوا يكبرون إذا خرجوا إلى صلاة العيد حتى يبلغوا المصلَّى يرفعون أصواتهم. انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" (6/ 179، ط. دار إحياء التراث العربي). أما الحنابلة فعندهم الجهر بالتكبير سنة في حق الرجال بخلاف النساء، لا يسن لهن الجهر. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/ 802، ط. المكتب الإسلامي).
واستدلَّ الفُقَهَاءُ على اسْتِحْبَاب تكبير العيد جماعةً جَهْرًا بأدلة كثيرة، منها: ما رواه البخاري في "صحيحه" (2/ 20) معلقًا بصيغة الجزم: [كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرًا. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات، وعلى فراشه وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا. وكانت ميمونة تكبر يوم النحر. وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد] اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 462، ط. دار المعرفة) عند شرح الحديث: [وقوله (ترتجّ) بتثقيل الجيم، أي: تَضطرب وتتحرَّك، وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات] اهـ.
التكبير في العيدين جماعة
ولا شَكَّ أنَّ الأصوات الجماعية أقوى في ارتِجَاجِ مِنى من الأصوات الفردية، فهذا يدل على صحة التكبير جماعةً، وحيث ثبت جواز التكبير في العيد جماعة عن الصحابة والسلف وفقهاء المذاهب، فالهيئة المحققة لذلك تكون بالتوافق بين الجماعة بصوت واحد، فإن جلس المجتمعون للتكبير جماعة جهرًا بغير توافق أدى ذلك إلى حدوث التشويش الذي يكر على مقصود الذكر بالبطلان، حيث يذهب الخشوع.
والتّكبير في أدبار الصّلاة لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيَّته في أيَّام التَّشريق، وهو مندوب عند جمهور الفقهاء، وواجب عند الحنفيَّة.
قال الإمام مَالِكٌ في "الموطأ" برواية يحيى الليثي (1/ 404، ط. دار إحياء التراث العربي): [الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات] اهـ.
صيغة التكبير في العيد
وبالنسبة لصيغة التكبير فلم يرد شيء بخصوصه في السنة المطهرة، ولكن درج بعض الصحابة منهم سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه على التكبير بصيغة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد) والأمر فيه على السعة؛ لأن النص الوارد في ذلك مطلق، وهو قـوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، والْمُطْلَقُ يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده في الشرع؛ فجاء في "غمز عيون البصائر" للحموي (2/ 217، ط. دار الكتب العلمية): [والمطلق يجري على إطلاقه إلا بدليل] اهـ.





















