نميرة نجم: لأول مرة العسكريون والمدنيون يخضعون للملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية
أكدت السفيرة الدكتورة نميرة نجم، خبير القانون الدولي والهجرة، وعضو فريق الخبراء اليونسكو المكلّف من لجنة حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، أن الدراسة الجديدة الصادرة عن اليونسكو بشأن العواقب القانونية لانتهاك حصانة الممتلكات الثقافية تحت الحماية المعززة تمثل تحولًا إستراتيجيًا غير مسبوق في منظومة حماية التراث، فهي للمرة الأولى التي تُقَرّ فيها بوضوح المساءلة الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية عن الجرائم التي تستهدف الممتلكات الثقافية المحمية بموجب البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1999، وتصدرها يُعدّ نقطة تحوّل مهمة في تطوير الإطار القانوني الدولي لحماية الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة.
وأوضحت نجم أن الدراسة تقدم تفسيرًا حاسمًا يؤكد أن أي هجوم أو استخدام للممتلكات الثقافية الموضوعة تحت الحماية المعززة يشكّل أساسًا قانونيًا للملاحقة الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيرةً إلى أن المسؤولية تمتد إلى القادة العسكريين والمدنيين سواء أصدروا الأوامر، أو سمحوا بالهجوم، أو فشلوا في منعه رغم قدرتهم القانونية والقيادية على ذلك.
وأضافت أن الاعتداء على الممتلكات الثقافية ذات الحماية المعززة قد يرتقي إلى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، وأن المحكمة الجنائية الدولية تملك الولاية للنظر في هذه الممارسات لأن التراث الثقافي جزء من هوية الشعوب ويمثل تدميره شكلًا من أشكال الاضطهاد المنهجي.
وأكدت نجم أن الوثيقة توضح أن الانتهاك قد يقود إلى تعليق أو إلغاء الحماية المعززة عن الممتلك، وفتح آلية مراقبة عاجلة من جانب اللجنة، وأن انتهاك الحماية المعززة للممتلكات الثقافية يُحمّل الدولة مسؤولية قانونية كاملة تشمل الوقف الفوري للانتهاك، وتقديم التعويضات، واتخاذ تدابير جبر الضرر، كما تُبرز أن الأفراد المشاركين في هذه الأفعال، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، قد يخضعون للملاحقة أمام المحاكم الوطنية أو الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، ما يجعل الدراسة أداة قوية لحماية التراث الثقافي أثناء النزاعات المسلحة ومرجعًا مهمًا لإعداد التشريعات الوطنية والتدريب العسكري.
وأشارت نجم إلى أن انتهاك الحماية المعززة لا يقتصر على الجانب المادي للهدم أو التخريب، وإنما يشمل الأبعاد الرمزية والقيمية التي يعتبرها القانون الدولي جزءًا من الهجوم على جماعة بشرية أو ثقافية، ما يبرر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في هذه الحالات.
وأضافت أن هذا التفسير القانوني غير المسبوق سيمنع لسنوات طويلة أي محاولات لاستهداف التراث الثقافي تحت ذريعة "الضرورة العسكرية"، لأن الحماية المعززة حصانة كاملة لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف.
كما شددت نجم على أن الدراسة توضح بدقة منع أي اعتداء عسكري على المنشآت الثقافية الموضوعة تحت الحماية المعززة، وأن البروتوكول الثاني يفرض التزامًا صارمًا على أطراف النزاع بعدم استخدام هذه الممتلكات في الأعمال القتالية أو لصالح العمليات العسكرية، وأن أي انتهاك يُعد مخالفة جسيمة تلزم الدولة المسؤولة بوقف الاعتداء وتعويض الدولة المتضررة وتقديم الإرضاء المناسب.
وأوضحت نجم أن أهمية الوثيقة لا تقتصر على الجانب القانوني فقط، بل تمتد أيضًا إلى تعزيز وعي المؤسسات الوطنية، مثل وزارات الثقافة والدفاع والعدل، بأدوارها ومسؤولياتها، مؤكدة أن حماية التراث الإنساني مسؤولية جماعية لا يجوز التساهل فيها أو التقليل من خطورتها، وأن حماية التراث ليست مسألة ثقافية فحسب، بل التزام قانوني دولي صارم، وأن الاعتداء على الممتلكات الثقافية المحمية، خصوصًا تلك الموضوعة تحت الحماية المعززة، انتهاك لا يقبل التبرير تحت أي ذريعة.
وأشارت السفيرة نجم إلى أن إصدار الدراسة جاء استجابة لتحديات متصاعدة مع ازدياد النزاعات التي تشهدها مواقع التراث العالمي، حيث رصدت اللجنة قصورًا في تطبيق التزامات الدول وغياب إدراك كافٍ للنتائج القانونية المباشرة لهذا النوع من الانتهاكات. ومن هنا، تم تكليف فريق الخبراء بوضع دراسة تُعرّف بشكل دقيق ما يترتب على الدولة والجناة الأفراد عند ارتكاب هذه الأفعال.
وشددت نجم أن التحليل القانوني الوارد في دراسةً الوثيقة يشكّل مرجعًا إرشاديًا مهمًا للدول الأطراف في اتفاقية لاهاي وبروتوكولها الثاني، لأنها يقدم لأول مرة تحليلاً شاملاً للآثار القانونية لانتهاك الحماية المعززة، ويوضح حدود الالتزامات الدولية والنتائج المترتبة على التصرّفات التي تُعدّ هجومًا أو استخدامً عدائيًا للممتلكات الثقافية ، ويمنح المجتمع الدولي أداة تنفيذية واضحة تمنع الإفلات من العقاب وتعزز قدرة المنظمات الدولية والمحاكم على التدخل عند وقوع الانتهاكات.
واختتمت تصريحها بالتأكيد على أهمية التعاون بين اليونسكو والدول الأطراف لضمان تطبيق فعّال للبروتوكول الثاني، وإرساء ثقافة احترام الممتلكات الثقافية باعتبارها شاهداً على حضارات الشعوب وجزءًا من الذاكرة الإنسانية المشتركة.
وقد شارك في إعداد الوثيقة حسب نصها ستة من أبرز خبراء القانون الدولي على مستوى العالم هم من افريقيا السفيرة الدكتورة نميرة نجم "من مصر" ، المديرة الحالية لمرصد الهجرة الإفريقي وأول مستشارة قانونية للاتحاد الإفريقي؛ و البروفيسورة فويبي أوكوا، "كينيا" أستاذة القانون الدولي بجامعة كوين ماري، بالإضافة إلي البروفيسور روجر أوكيف، "المملكة المتحدة" أستاذ القانون الدولي بجامعة بوكوني ورئيس فريق الخبراء ، القاضي فاوستو بوكار "إيطاليا" ، قاضٍ دولي مخضرم ورئيس سابق للمحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة وعضو بمحكمة التحكيم الدائمة ، البروفيسور لوكاس ليكسنسكي، "إستراليا" أستاذ ونائب عميد كلية القانون بجامعة نيو ساوث ويلز وخبير في قانون التراث الثقافي وحقوق الإنسان ، والقاضية فاسيكا سانسين، "سلوفينيا" أستاذة القانون الدولي وعضو في هيئات أممية متعددة،
وقد أصدرت اليونسكو هذه الوثيقة القانونية المتخصصة بعنوان “Study on the Legal Consequences for Violation of the Immunity of Cultural Property under Enhanced Protection” في ١١٢ صفحة ، وهي دراسة دولية رفيعة المستوى أعدّها فريق من أبرز خبراء القانون الدولي بناءً على تفويض رسمي من لجنة حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، استجابة لطلب عدد من الدول الأطراف في البروتوكول الثاني لعام 1999، التي عبّرت عن الحاجة إلى تفسير قانوني واضح للآثار المترتبة على انتهاك الحماية المعزّزة للممتلكات الثقافية في ظل تزايد الاعتداءات على مواقع التراث في مناطق النزاع، مع التركيز على تحديد مسؤولية الدولة وآليات جبر الضرر والمساءلة الجنائية للأفراد، ليكون المرجع القانوني موثوقًا لدعم تطبيق الالتزامات الدولية وتعزيز حماية التراث الثقافي.




















