«تكاثروا فإني مباه بكم الأمم» هل تنظيم النسل مخالف لأمر النبي ﷺ؟
تنظيم النسل.. دائمًا يحث الإسلام على العيش الهانئ، ويسن كل السبل للقضاء على الفقر، فشرع الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء لترفع مستوى معيشتهم، كما حث على التصدق لمغفرة الذنوب، وكيف لا وهو دين متى التزمه الناس صلحت دنياهم، وآخرتهم.
ومما تقدم يزعم بعض الغلاة، أن اعتماد الأسرة المسلمة فكر تنظيم الأسرة بإنجاب طفلين أو ثلاثة، فقط مخالف للسنة النبوية المطهرة، متخذين من حديث النبي الأكرم ﷺ الذي قال فيه: (تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)، وقوله ﷺ أيضًا: (تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) وهو حديث صحيح رواه الشافعي عن ابن عمر؛ تكأة للحث على كثرة الإنجاب، ولما كان قصد صاحب الشريعة من الخلق أن يعبدوه ثم يعمرون الأرض ومن عمارة الأرض عدم معاناة الخلق بقلة الدخل وزيادة تكلفة المعيشة، فإن تحديد النسل بطفلين أو ثلاثة هو أمر يتفق وصحيح مراد الله من خلقه، وإن زاد عدد الأطفال في مجتمع يكفل لهم حقوقهم ويوفر لهم سبل العيش والإنتاج والتنمية فلا بأس حينئذ.
اقرأ أيضًا: «الإفتاء» تحذر من فتاوى زيادة النسل: مخالفة لأوامر الله وسنة النبي «فيديو»
شرح الحديث وبيان العلِّة
وقالت دار الإفتاء في شرح حث النبي الأكرم ﷺ على زيادة النسل: (تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)، إن الحديث ليس فيه إلا الحث على الزواج وهو أمر فطري، والحث على التناسل حتى لا ينقطع النوع الإنساني، وأن مباهاة رسول الله ﷺ بأمته، فلا تكون من خلال كثرة أعدادهم من ناحية الكم والعدد وإنما تكون المباهاة بما قدموا للبشرية من علم وحضارة وإنجاز.

تنظيم الأسرة والتدخل في قدر الله
وفي الإطار سأل أحد المواطنين يقول: هل تنظيم الأسرة يعتبر تدخلًا في قدر الله أو هروبًا من قضاء الله؟
وردت دار الإفتاء: إن تنظيمُ الأسرة ليس هروبًا من قضاء الله، وكذا لا يعد تدخلًا في قدره سبحانه وتعالى، وإنما هو من باب الأخذ بالأسباب العادية التي إن شاء الله تعالى خلق عندها الأثر، أو لم يخلقه كما هي عقيدة أهل السنة في ارتباط الأسباب بالمسببات بطريق جريان العادة، وأن كلَّ أثر وقع في الكون فهو مخلوق، وأنه لا خالق على الحقيقة سوى الله عز وجل.
وأفادت الدار بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً، هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ، فَقَالَ: «قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»؛ ففي قوله ﷺ: «سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» دلالة على أنه لا تعارض بين الأخذ بالأسباب ووقوع الأقدار؛ لأنه لا قدرة لأحد على مخالفة قضاء الله وقدره، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
اقرأ أيضًا: «دار الإفتاء» تستشهد بالبخاري في حكم «تنظيم النسل»
وأوضحت الدار، أن منع الحمل مؤقتًا بالعزل أو بأية وسيلة حديثة لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب مع التوكل على الله شأن المسلم في كل أعماله؛ قائلةَ: «أرأيت إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال لصاحبه: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» رواه الترمذي وغيره، أي اعقل الناقة واتركها متوكلًا على الله في حفظها؛ قال الإمام الغزالي في كتاب "الإحياء" عن العزل: «الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء غير منهي عنه».
وأردفت الدار، في فتواها: «لا يعد هذا معاندة لقدر الله؛ لإن قدر الله غيبٌ غير معروف، ويدل لهذا قول رسول الله صلوات الله عليه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في شأن العزل: «مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ» رواه البخاري».
اقرأ أيضًا: بر الوالدين.. أحب الأعمال إلى الله ووصية الرسول ﷺ





















