بعد قصف مفاعلات إيران.. من هي الدول العربية الأكثر عرضة لكارثة إشعاعية؟


في زمنٍ لم تعد فيه الكوارث تحتاج إلى مقدمات طويلة، ومع كل تصعيد عسكري جديد، تنكمش الأرض قليلًا، وتُحبَس الأنفاس كثيرًا، وتحديدًا الآن، حين أصبح الحديث عن ضربات تستهدف مفاعلات نووية في إيران أكثر من مجرد تكهنات، ومع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط إثر الضربات الأمريكية الأخيرة وقبلها الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، يلوح في الأفق شبح كارثة بيئية وإنسانية قد تطال المنطقة بأكملها، وبات خطر التسرب النووي أو الإشعاعي بعد استهداف مفاعلات مثل فوردو، نطنز، وأصفهان، يثير مخاوف جدية بشأن تداعياتها المحتملة على الدول العربية المجاورة، والتي قد تجد نفسها في الخط الأمامي للمواجهة مع تبعات الإشعاع المدمرة.
فما بين فوردو ونطنز وأصفهان، لا تُقصف فقط منشآت حديدية؛ بل تُفتح أبواب جهنم على منطقة بأكملها، وقد لا تنغلق لعقود.
سحابة لا تُرى.. لكنها تقتل
حين يتحول الهواء إلى عدو، والماء إلى سم بطيء، والغذاء إلى لعنة تسري في العروق، نكون أمام كابوس اسمه "التسرب الإشعاعي"، كابوس لا يُفرق بين حدود ودين ولهجة، فأي ضربة جديدة لمفاعل نووي لا تعني فقط ضوءًا في السماء؛ بل سحابة قاتلة قد تزحف صامتة نحو الملايين، دون صفارات إنذار.
يرى خبراء الطاقة النووية وشؤون البيئة أن تقييم المخاطر يعتمد على عدة عوامل رئيسية:
- الموقع الجغرافي وقرب الدولة من إيران.
- اتجاه وسرعة الرياح السائدة في المنطقة.
- حجم ونوع التسرب الإشعاعي المحتمل.
- مدى جاهزية أنظمة الرصد والإنذار المبكر.
- التضاريس الطبيعية ومدى قدرتها على صد أو توجيه سحابة مشعة.
الدول العربية الأقرب للمخاطر المحتملة
تعتبر دول الخليج العربي، وخصوصًا تلك الواقعة على السواحل الغربية للخليج، هي الأكثر عرضة للخطر المباشر، فالمسافة الفاصلة بين المواقع النووية الإيرانية والعديد من المدن الخليجية قصيرة للغاية، هنا، لا مجال للهروب؛ فالسحابة لا تحتاج إلى جواز سفر، والهواء لا يعترف بنقاط التفتيش.
- الكويت تقع على بعد مسافة قصيرة نسبيًا من جنوب إيران، مما يجعلها في مقدمة الدول المعرضة للخطر، أي تسرب إشعاعي كبير يمكن أن يصل إليها بسرعة، مؤثرًا على جودة الهواء والمياه، ويهدد الصحة العامة للسكان.
- الإمارات العربية المتحدة وخاصة إمارات الشمال، تقع أيضًا ضمن نطاق القرب الجغرافي، مدن مثل دبي وأبو ظبي، وإن كانت أبعد قليلًا من الكويت، لا تزال عرضة لتأثيرات خطيرة، خاصة مع كثافتها السكانية العالية وأهميتها الاقتصادية.
- البحرين وقطر: بحكم موقعهما في قلب الخليج، ستكونان في مسار أي سحابة إشعاعية تنجرف جنوبًا أو غربًا بفعل الرياح، المساحة الصغيرة لهذه الدول تزيد من تعرضها الشامل.
- المملكة العربية السعودية (المنطقة الشرقية): تعد المنطقة الشرقية من المملكة، والتي تضم مدنًا مثل الدمام والخبر، على بعد مرمى حجر من السواحل الإيرانية، أي تلوث إشعاعي للمياه في الخليج سيكون له تأثير مباشر على تحلية المياه والصيد، وهي مصادر حيوية للمنطقة.
- العراق: حدود الأرض وحدود الخطر
يتقاسم العراق حدودًا طويلة مع إيران، مما يضعه في موقف حرج، خاصة في المناطق الجنوبية والوسطى التي تبعد مسافة أقل عن بعض المواقع النووية الإيرانية، ستكون الأكثر تضرراً، الزراعة والمياه الجوفية يمكن أن تتلوث بشكل كبير، مما يؤثر على سبل العيش والأمن الغذائي.
البعيد ليس آمنًا.. وإن بدا كذلك
حتى الدول التي قد تبدو بعيدة جغرافيًا مثل عمان واليمن وبعض أجزاء من الأردن وسوريا، لن تبقى آمنة تمامًا، الرياح يمكن أن تحمل الجسيمات المشعة لمسافات أبعد، وإن كانت بتركيزات أقل، الخطر هنا يأتي بشكل أساسي من:
- تلوث المياه الإقليمية: تسرب الإشعاع إلى مياه الخليج العربي يمكن أن ينتشر إلى مضيق هرمز وبحر العرب، مما يؤثر على مصايد الأسماك والحياة البحرية على نطاق أوسع.
- تلوث السلسلة الغذائية: يمكن أن تتراكم المواد المشعة في النباتات والحيوانات، لتنتقل لاحقًا إلى البشر عبر السلسلة الغذائية، حتى في المناطق التي لم تتعرض للتسرب المباشر.
هل تتأثر مصر بتسرب نووي من إيران؟
بعيدًا عن التأثيرات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، بالنظر إلى موقع مصر الجغرافي، فإنها أقل عرضة للتضرر المباشر والكبير من تسرب نووي أو إشعاعي محتمل من المفاعلات الإيرانية، مقارنة بدول الخليج العربي والعراق.
العوامل الجغرافية والرياح
المسافة الكبيرة: تقع مصر على مسافة كبيرة من إيران، وتفصل بينهما دول مثل العراق والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى البحر الأحمر، هذه المسافة الكبيرة تقلل بشكل كبير من احتمالية وصول السحابة الإشعاعية بتركيزات عالية إلى الأراضي المصرية مباشرة.
أنماط الرياح السائدة: غالبًا ما تكون اتجاهات الرياح في المنطقة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، أو من الشمال إلى الجنوب، هذا يعني أن أي تسرب إشعاعي سيتجه في الغالب نحو دول الخليج العربي أو جنوب آسيا، وليس باتجاه الغرب حيث تقع مصر.
إن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية يضع المنطقة العربية بأسرها على حافة كارثة محتملة، وبينما تبدو دول الخليج والعراق الأكثر عرضة للخطر المباشر بسبب قربها الجغرافي، فإن التداعيات البيئية والصحية والاقتصادية ستتجاوز الحدود لتشمل المنطقة بأكملها، تتطلب هذه المخاطر استجابة إقليمية ودولية عاجلة لوضع خطط طوارئ شاملة، والضغط من أجل حلول دبلوماسية تنهي هذا التصعيد الخطير قبل فوات الأوان، إن حماية أرواح الملايين ومستقبل المنطقة يتوقف على القدرة على تجنب شبح كارثة نووية قد تظل آثارها لعقود قادمة.