فوضى العيادات الخاصة والمراكز الطبية.. أسعار مبالغ فيها وضعف رقابي يهدد حياة المرضى


في ظل تزايد اعتماد المواطنين على العيادات الخاصة والمراكز الطبية، تبرز أزمة متفاقمة تتعلق بضعف الرقابة الحكومية وغياب المعايير الموحدة للتسعير، مما يعرّض حياة المرضى ومصالحهم للخطر.
الواقع على الأرض يكشف فوضى حقيقية في القطاع الطبي الخاص، حيث يشكو كثير من المرضى من ارتفاع أسعار الكشف الطبي بشكل مبالغ فيه، مع تفاوت غير مبرر بين العيادات دون رقابة حقيقية من وزارة الصحة أو نقابة الأطباء.
تشير تقارير صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن متوسط تكلفة الكشف في العيادات الخاصة ارتفع بنسبة تتجاوز 150% خلال آخر 5 سنوات، دون وجود تسعيرة ملزمة من قبل وزارة الصحة.
رصدنا خلال التحقيق أسعار كشف تبدأ من 300 جنيه وتصل إلى أكثر من 1500 جنيه لدى بعض الأطباء المشاهير، بينما يفتقر المواطن لأي جهة يُلجأ إليها لتقديم شكوى حول تسعير الخدمة.
شكاوى من الأسعار وسوء الخدمة
تقول "ن. ف" من القاهرة، إنها دفعت 700 جنيه مقابل كشف طبي استمر 4 دقائق فقط دون اهتمام أو شرح وافٍ من الطبيب، مشيرة إلى أن الأسعار أصبحت خيالية وغير منطقية، خاصة في التخصصات الدقيقة مثل القلب أو العظام أو النساء والتوليد.
ويضيف "م. ع"، موظف من الجيزة: "المراكز الطبية الخاصة أصبحت تروّج لنفسها عبر الإنترنت، وتُقنع الناس بأنها تقدم خدمات عالمية، وفي النهاية لا ترخيص واضح ولا خدمة حقيقية.. مجرد واجهة لابتزاز الناس باسم العلاج".
نقص التفتيش.. وأطباء يعملون دون إشراف
بحسب بيانات سابقة لوزارة الصحة، فإن عدد المفتشين التابعين للإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية لا يتجاوز 1000 مفتش على مستوى الجمهورية، رغم وجود أكثر من 90 ألف عيادة ومركز طبي خاص في مصر.
ضعف رقابي واضح
بحسب متخصصين، فإن ضعف الرقابة على هذه الكيانات فتح الباب أمام تجاوزات كثيرة، حيث لا توجد زيارات تفتيش منتظمة على أغلب العيادات، ولا يتم التأكد من مؤهلات العاملين فيها أو من أدوات التعقيم والتجهيزات الطبية.
ويؤكد مصدر مطلع – فضّل عدم ذكر اسمه – أن كثيرًا من المخالفات لا تُرصد إلا بعد وقوع الكارثة أو بناءً على شكوى رسمية، مضيفًا أن بعض المراكز تعمل دون ترخيص أو بتراخيص قديمة لم تُراجع منذ سنوات.
وفي كثير من الحالات، يتم افتتاح مراكز دون استيفاء الشروط، أو تستمر في العمل رغم وجود مخالفات جسيمة. كما أن بعض الأطباء غير المقيدين بنقابة الأطباء يُسمح لهم بالممارسة في الخفاء داخل مراكز تجميل أو علاج طبيعي.
تصريحات رسمية تشير إلى الأزمة
الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، صرّح في أكثر من مناسبة أن الوزارة بصدد مراجعة منظومة التراخيص والتفتيش، وأنها "لا تتساهل مع المخالفات الطبية"، لكن المتابعين يرون أن الإجراءات بطيئة، ولا تتناسب مع حجم الانفلات في القطاع الخاص.
أخطاء طبية بلا محاسبة
من جهة أخرى، تسجل صفحات السوشيال ميديا ومجموعات الدعم آلاف الشكاوى من حالات إهمال طبي أو تشخيص خاطئ أو استخدام أجهزة غير مطابقة للمواصفات، دون أن يكون هناك تحقيق جدي أو محاسبة سريعة.
يقول "ع. س"، أحد المتضررين: "أصيبت والدتي بمضاعفات بسبب تأخر التشخيص في مركز شهير بالدقي، ورفضوا إعطاءنا التقرير الطبي إلا بعد ضغط وتهديد".
حوادث طبية تكررت دون ردع
في 2023، لقيت سيدة مصرعها داخل مركز تجميل في الإسكندرية إثر خطأ طبي أثناء عملية شفط دهون، وكان المركز يعمل دون ترخيص.
وفي الفيوم، كشفت حملة تفتيشية عن مركز للتحاليل يُدار بأجهزة غير معتمدة طبيًّا، ويعمل به أشخاص غير مؤهلين، وتم إغلاقه بعد بلاغات من المواطنين.
لكنّ غالبية الوقائع لا تصل إلى الإعلام أو القضاء، وتُغلق بفعل "الصلح" أو نقص الأدلة.
مطالب بالتحرك
يطالب المواطنون والمهتمون بالشأن الصحي بتدخل عاجل من وزارة الصحة، يتمثل في:
- وضع تسعيرة استرشادية ملزمة لكل تخصص طبي داخل القطاع الخاص.
- تكثيف الحملات التفتيشية على العيادات والمراكز الطبية، خاصة في المناطق الشعبية والمزدحمة.
- تفعيل خط ساخن لتلقي شكاوى المرضى ومتابعتها بشكل فوري.
- إنشاء قاعدة بيانات موحدة للمراكز المرخصة، مع إتاحتها للمواطنين عبر موقع رسمي.
- تشديد العقوبات على المخالفين، سواء من حيث الترخيص أو الأخطاء الطبية أو التسعير المبالغ فيه.