مفتي الجمهورية: صناعة الفتوى مسؤولية جماعية ترتكز على الشورى والعقل الجمعي


أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن العمل المؤسسي يمثل الركيزة الأساسية لبناء الدول ونهضتها.
وأوضح أن المؤسسات التي تقوم على الفكر الجماعي والتنظيم المنضبط تحقق تقدمًا واستقرارًا يفوق ما تحققه المؤسسات التي تدار بعقل الفرد الواحد، لأن التنوع في الخبرات والقدرات يثري الأداء ويعمق الرؤية ويعزز روح التكامل داخل المؤسسة، بينما يؤدي غياب العمل الجماعي إلى تضارب القرارات وغياب العدالة التنظيمية وانعدام المحاسبة، مما يفضي إلى إهدار الكفاءات واستيلاء غير المؤهلين على مواقع المسؤولية ويولد الإحباط لدى المتميزين ويعطل مسيرة الإصلاح والتنمية.
جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها المفتيط ضمن برنامج منهجية الفتوى في دار الإفتاء المصرية بعنوان «إدارة المؤسسات الإفتائية» المخصص لمجموعة من علماء دور الإفتاء الماليزية والأكاديميين الجامعيين وممثلي مكتب تطوير الشؤون الإسلامية الماليزية، بمشاركة 25 متدربًا ومتدربة من العلماء والمفتين والمفتيات الماليزيين.
وتناولت المحاضرة أهمية ترسيخ مبادئ الحوكمة والشفافية، داخل المؤسسات الدينية، وتفعيل منظومة العمل الجماعي بما يحقق الانضباط والفاعلية في صناعة الفتوى ويواكب متغيرات العصر.
وأوضح أن التكامل بين التخصصات والخبرات داخل المؤسسات الإفتائية، ضرورة علمية وشرعية للحفاظ على مقاصد الشريعة وإبراز محاسنها، لأن الفتوى ليست عملاً فرديًا بل هي صناعة دقيقة تتطلب تضافر العلوم النقلية والعقلية في آنٍ واحد.
وأضاف أن غياب العمل المؤسسي يؤدي إلى التخبط والتشويش، وأن الخطأ في المؤسسات الدينية غير مقبول لأنها مؤتمنة على التوقيع عن الله تعالى، وهو ما يضفي على الفتوى المهابة والقدسية والدقة والالتزام، ويستلزم أعلى درجات الانضباط في التصنيف والتبويب والنظر في النوازل بما يجمع بين أصالة النص وواقع الناس.
وبيّن فضيلته أن إدارة المؤسسات الإفتائية تقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية من أهمها المرجعية العلمية القائمة على وضوح المنهج والرسالة، والشورى التي تضمن صدور الفتوى عن العقل الجمعي بعد المراجعة والتدقيق، إضافة إلى الشفافية والمسئولية والتجديد المنضبط الذي يوازن بين الثوابت ومتطلبات الواقع.
وأشار إلى أن دار الإفتاء المصرية تعد أنموذجًا رائدًا في تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة من خلال إدارات علمية وفنية متكاملة تضمن انسيابية الأداء وتمنع الانفراد بالرأي.
وأكد أن نجاح العمل المؤسسي يعتمد أيضًا على تأهيل المفتين نفسيًا وفكريًا ليكونوا قادرين على احتواء المستفتي برفق وحكمة، لأن الفتوى في جوهرها علاج روحي وإنساني قبل أن تكون حكمًا فقهيًا.
وأشار مفتي الجمهورية، إلى أهمية دراسة علوم المنطق وعلم الكلام إلى جانب علم الفقه؛ لتنمية مهارات التحليل والاستنباط، مستدلًا بموقف النبي صلى الله عليه وسلم حين استخدم القياس في الرد على الرجل الذي شك في نسب ابنه، مما يبرهن على أن العقل أداة لفهم النص وتطبيقه لا لمعارضته، موضحًا أن المؤسسات الإفتائية تواجه في بعض البلدان تحديات تتعلق بنقص الكوادر وضعف التأهيل.
وأكد على إمكانية تجاوزها عبر حسن الاختيار وجودة التدريب، مع أهمية مواكبة التحول الرقمي بإنشاء قواعد بيانات وأرشفة إلكترونية للفتاوى ومنصات رقمية حديثة تخدم المستفتين وتدعم صناعة القرار الإفتائي.
واختتم المفتي بالتأكيد على أن هناك نماذج مؤسسية يُحتذى بها في هذا المجال مثل دار الإفتاء المصرية ومجمع الفقه الإسلامي بجدة اللذان يمثلان أنموذجان رائدان في الجمع بين الأصالة والمعاصرة وإدارة العمل الإفتائي وفق منهج علمي مؤسسي راسخ.