المفتي: القرآن يؤكّد وجود مشتركات أخلاقية بين جميع الأديان السماوية
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن إرادة الله الغالبة وحكمته العالية ورحمته الشاملة شاءت أن خلقنا مختلفين في الألوان والألسنة والعقول والمعتقدات والأفكار؛ قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين) [الروم: 22].
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها خلال فعاليات ملتقى القيم المشتركة بين أتباع الأديان، الذي انطلق اليوم لأول مرة بمدينة الرياض تحت مظلَّة رابطة العالم الإسلامي، حيث ألقى فضيلته الكلمة الرئيسية في المؤتمر.
وأكد فضيلة المفتي أنه إذا تأكد لدينا هذا المعنى الجليل وترسخ في وجداننا ما نبهنا إليه قرآننا العظيم، استطعنا أن ندرك بوضوح أن الأصل في العلاقة بين بني الإنسان –أيًّا كان لونهم أو دينهم أو لغتهم– هو التعايش السلمي والتعاون الجاد من أجل ترسيخ القيم السامية المشتركة التي حثَّت عليها جميع الأديان ودعت إليها.
وأضاف فضيلة المفتي أن الله تعالى قد حثنا جميعًا على التعاون على عمل الخير وعلى البر والتقوى، من أجل استخراج خيرات الأرض وكنوزها والانتفاع بها، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة: 29]. وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين) [البقرة: 168]، موضحًا أن هذا الأمر الذي يشجعنا على عمارة الأرض والانتفاع بخيراتها، لا يمكن أبدًا أن يتحقق لو كانت العلاقة بين أهل الأديان هي التنافر والبغضاء، فلا يمكن أن يحثنا الله على عمارة الأرض إلا وهو يحثنا على المحبة وإرادة الخير للجميع دون استثناء، ويحثنا أيضًا على تعظيم المشتركات الدينية التي ينمو هذا التعاون في ظلالها ويثمر ثمراتٍ نافعةً لجميع بني الإنسان على حدٍّ سواء.
وتابع فضيلته: "لا شك أن ديننا الحنيف قد دعانا إلى التعايش السلمي مع كل من يختلف معنا في الدين والعقيدة، ودعانا أيضًا إلى احترام ودعم القيم المشتركة التي حثت عليها جميع الأديان، وهذه القيم المشتركة في القرآن الكريم تنقسم في الجملة إلى قسمين رئيسين؛ القسم الأول: يؤكِّد أننا جميعًا ننحدر من أصل واحد بل من نفس واحدة، وهذا يعني أننا جميعًا أخوة في الإنسانية، وفي ذلك يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]".
وبيَّن مفتي الجمهورية أن القسم الثاني للقيم المشتركة في القرآن الكريم: يؤكِّد وجود مشتركات أخلاقية واحدة بين جميع الأديان السماوية، وأهمها الإيمان بالإله الواحد ومنظومة الأخلاق المشتركة وأمهات الفضائل التي أكَّدت عليها الأديان جميعها، قال تعالى: (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت: 46].
وأوضح أن تحت هذين القسمين الرئيسين عشرات بل ربما مئات من القيم المشتركة التي نحتاج إلى إبرازها وتفعيلها وتنميتها من أجل أن يعم هذا العالم الأمن والسلام والطمأنينة، عِوضًا عن الحروب والصراعات التي خلَّفتها نظريات صدام الحضارات أو سيادة العالم بفكر أو دين معين، وما حصد العالم من ذلك إلا الخراب والدمار نتيجة هذه الأفكار والنظريات التي لا تمتُّ إلى الأديان بل ولا إلى الإنسانية المجردة بأدنى صلة.



















