«رياح الخماسين» طفرة تشكيلية للمغامر محمود مختار

تمثال «رياح الخامسين».. نجح النحات محمود محتار من نحت أحد أشهر التماثيل خلال الأونة الأخيرة، حيث يعتبر من أشهر التماثيل الفنية الجاذبة للفت الانتباه من جميع أنحاء العالم، وهذا بسبب مهارة الفائقة والبارزة للقدرات الإبداعية بالأيدي المصرية لصناعة تمثال «رياح الخماسين»، لأن هناك الكثير من الأعمال الأخرى.

واستطاع محمود مختار، من إنجزه التمثال في زمن سادت فيه تقاليد فنية جامدة ورغم ذلك جاء «رياح الخماسين» حداثيا متخطيا حواجز الزمن والتقاليد الفنية والتطور الطبيعي المفترض للشكل النحتي، وأصبح الخماسين طفرة تشكيلية لا تجد ما يبررها سوي موهبة نحات مغامر سبق برؤيته وروحه كل حتميات حاضره، فالخماسين يبدو مع حجريته الظاهرة لينا، مليء بالحركة، كل زواياه منحنية حنونة لا تحمل حدة تذكر.

وأنجز «مختار» تمثال " رياح الخماسين" عام 1929 أي بعد أعوام قليلة من تمثاله الشهير «نهضة مصر» إلا أن الفارق الزمني البسيط بين الاثنين واكبه فارق فني شاسع، حيث أسس تمثال « رياح الخماسين» منهجا جديدا أنذاك، عجز عن مجاراته ومحاكاته اللاحقون ممن خلفوا مختار مباشرة، علاوة على أنه نقطة تحول في مشواره الذي كرسه من قبل للقضايا الكبرى والشأن العام.

وكانت المرة الأولى التي يميل فيها لتقديم عمل إنساني يهتم فيه أكثر بالجوانب النفسية والعاطفية في منحوتاته، إلا أنه وطبقا للعديد من التفسيرات النقدية لم يخل تمثال «رياح الخماسين» من مشابهة للواقع المصري ومن تعبير عن روح المقاومة داخله، وكأن "مختار" أراد أن يقوم بعملية تضفير للخاص بالعام من خلال عمل نحتي يعبر في ظاهره عن مقاومة امرأة عادية لرياح الخماسين، وفي باطنه يتحدث عن مقاومة الشعب المصري لواقعة الرديء.

ويجسد تمثال «رياح الخماسين» نحتا لفلاحة مصرية ترتدي ثوبا فضفافضا وطرحة على رأسها تخطو بصعوبة بين الرياح الهائجة محاولة الاحتماء بنفسها فتتوق جسدها بيديها بينما تتطاير طرحتها وملابسها للخلف كاشفة عن خطوتها التي تفرد فيها ساقها اليمني للخلف وتثني اليسرى للأمام.

ويعكس العمل مصرية مختار الذي قدم نموذجا وطنيا للفلاحة الريفية تلك التي اشتهر بولعه بها، حيث جسدها في أعماله الكثيرة منها (العودة من النهر) و(حاملة الجرة) و(بائعة الجبن) و(نهضة مصر) بالطبع.

والمعروف أن مختار ولد وترعرع علي ضفاف النيل في إحدى قرى المنصورة وتربت مخيلته علي صور القرية وأهلها فكان لابد له من انحياز للمشهد القروي وللريفيين بشكل عام وهو لم يقدم الفلاحات فقط وإنما الفلاحين أيضا في أعماله مثل (شيخ البلد) و(حارس الحقول) وقدمهما معا في (مناجاة الحب).