«حرمان الإناث من الميراث».. الإفتاء توضح حكم مقولة: ”مال أبونا لا يذهب للغريب”


تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالاً عبر موقعها الرسمى، يقول السائل: ما حكم الشرع فى مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"؛ حيث توفى والدى وترك لنا ميراثًا، عبارة عن قطع من الأرض الزراعية ومبلغ من المال، وكلما طالبنا نحن البنات بحقنا فى الميراث الذى هو فى حوزة أخينا الأكبر، يتأخر فى إعطائنا نصيبنا نحن البنات دون الرجال خصوصًا فى الأراضى بحجة أن هذه الأرض ستصبح ملكًا للأغراب -يقصد بذلك زوجي- ويقول: "مال أبونا لا يذهب للغريب"، فما حكم الشرع فى ذلك؟
وأجابت الإفتاء، عبر الموقعها الرسمي، قائلة: مماطلة الأخ الأكبر فى إعطاء البنات حقهن فى إرث أبيهن وتأخره فى تمكينهن من نصيبهن بلا عذر أو إذن: يُعدُّ أمرًا محرَّمًا، كما أنه لا يجوز لأحد الورثة أن يؤخر توزيع نصيب البنات من الميراث ولا ابتزازهن للتنازل عنه -سواء كان فى الأراضى أم فى الأموال التى تركها مورثهم المتوفى- بحجة أنها ستذهب للغريب، يقصد بذلك زوج البنت وأولادها، وهى مقولة باطلة مخالفة للشريعة الإسلامية.
أشارت دار الإفتاء إلى أنه المقرر شرعًا أن المال ينتقل بعد الموت من ملك المُوَرِّث إلى ملك ورثته الأحياء وقت وفاته؛ فعن سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ». أخرجه الإمام البخارى فى "صحيحه".
حكم مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"
ولفتت دار الإفتاء، إلى المقولة التى يدعى فيها البعض أن الأرض ستذهب إلى الأغراب -يقصدون بذلك أزواج بنات المتوفى- فى حالة ما إذا تم تقسيم الميراث وأخذت البنات حظهنَّ منه: فهى مقولة غير صحيحة شرعًا، تؤدى إلى فعل محرم، ومردود عليها من وجوه، وبيان ذلك فى الآتي:
أولًا: ما تركه الميت من أموال وأراضٍ وغيرها ينتقل ملكيته بعد وفاته إلى ورثته، وليس لأحد غريب عنه، فكل مَنْ يرث فى التركة إنما هو صاحب حق أوجبه الله له، ولا يمنع بحال أن يأخذ نصيبه الواجب المفروض الذى استحقه بالشرع والقانون، ومنعُ البنات من نصيبهن خصوصًا فى الأراضى أمر يخالف ما شرعه الله تعالى من وجوب إعطاء كل وارث حقه فيما تركه مورثه، فلا يفرق فى ذلك بين كون الوارث ذكرًا كان أو أنثى، ولا بين كون الموروث -التركة- مالًا أو ضياعًا أو أرضًا أو نحو ذلك؛ حيث يقول سبحانه: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أو كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 7].
حرمان الإناث من الميراث
ثانيًا: وصف زوج البنت بأنه غريب -أو من الأغراب- فيه نوع من إبداء العداء والبغضاء تجاهه، ممَّا يؤدى إلى حدوث قطيعة الرحم المأمور بصلتها شرعًا؛ حيث قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
ثالثًا: حذرنا المولى سبحانه وتعالى من التلاعب فيما شرعه من حدود وفرائض؛ نحو تعمد حرمان أو تأخير إعطاء أحد الورثة ما يستحقه من ميراث؛ فقال سبحانه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [النساء: 13].
رابعًا: قد تقرر شرعًا أن للمرأة ذمة مالية مستقلة يجوز لها أن تتصرف فى مالها؛ فلا تجبر على أى نوع من أنواع التصرف فى مالها؛ فقد روى عن حِبَّان بن أبى جَبلة -مرسلًا- أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» أخرجه البيهقى فى "سننه الكبرى"، فهذا الحديث يُقرِّر أصل إطلاق تصرف الإنسان فى ماله؛ فلا يجوز أن يؤخر أحد الورثة توزيع الميراث على البنات.