حين تصبح الأذية ”تريند”.. هل تبقى فوضى السوشيال ميديا بلا قانون يردع؟


في زمنٍ أصبحت فيه الكلمات طلقات طائشة، وبات كل صاحب حساب على "السوشيال ميديا" قاضيًا وجلادًا، وصارت الإشاعة تُولد في تغريدة، وتكبر في تعليق، وتموت في صدر من ظُلم، أو تبكي، كما بكى صوت مصر الدافئ.
نعم، بكت أنغام، ولم تبكِ لأنها ضعيفة، بل لأنها قوية بما يكفي لتشعر، لأنها من القلة التي ما زالت تؤمن أن الفن إحساس، وأن الطيبة لا تُعيب صاحبها، وأن الصمت في مواجهة القسوة موقف.
خرجت أنغام، لا لترد على شائعة، ولا لتبرر، بل لتقول: "أنا موجوعة… وأنا بشر"، قالتها بدموعها، وكأنها تُحملنا جميعًا مسؤولية: أن نسأل أنفسنا كيف وصلنا إلى هنا؟ ومنذ متى أصبح الأذى "ترندًا"؟ منذ متى أصبحت الإساءة تُطلق كأن لا قانون يحكمها؟ منذ متى صار الفنان، أو الإنسان عمومًا، بلا حماية من الكلمة السامة؟
ما حدث مع أنغام لم يكن مجرد حملة افتراء، بل لحظة سقوط جديدة للضمير الرقمي، وإفلاس أخلاقي يمارسه البعض تحت شعار "الحرية"، بينما هي ليست حرية، بل فوضى مغطاة بشاشة هاتف.
وما يؤلم أكثر أن بعض المنصات لم تتريث، لم تتحر، لم تسأل عن الحقيقة، بل اندفعت في نشر الرواية السهلة، المعلبة، الجاهزة للتداول، وكأن الخبر لم يعد أمانة، بل سباقًا، وكأن الشائعة لا تحتاج تحققًا بل عددًا من النقرات والمشاهدات.
لكن لنسأل السؤال الأخطر:
من أين استمد هؤلاء جرأتهم؟
من منحهم هذا الحق في القسوة؟
من طمأنهم إلى أنهم لن يُحاسبوا مهما قالوا، ومهما افتروا؟
الجواب للأسف واضح:
لا أحد يردع، ولا قانون يُطبق، ولا مؤسسة وقفت وقفة حقيقية.
منذ فترة، حضرت مؤتمرًا لنقابة الإعلاميين بحضور مسئولين ووزراء، سمعنا فيه كلمات تُكتب بماء الذهب عن مواجهة فوضى السوشيال ميديا، عن ميثاق شرف إعلامي، عن دورات للتدريب والتوعية، عن مركز لرصد الشائعات، وتدشين آليات للمساءلة.
استبشرنا خيرًا، قلنا: أخيرًا هناك من يرى الخطر، لكن ماذا بعد؟
أين المحاسبة لمن يسيء عمدًا؟، أين الردع الحقيقي؟
لو علم من يتجاوز أن هناك قانونًا سيُطبق، وأن ما يكتبه سيحاسب عليه، وأن نشر الإساءة والشائعات المغرضة المحرضة مسؤولية قانونية وأخلاقية، هل كان ليفعل؟
أنغام لم تطلب منا أن نرد، لكنها أوجعتنا، بكت وبكاؤها هزنا، لا لأننا نحبها فقط، بل لأننا شعرنا بالعجز، عجز القانون، وعجز الردع، وعجز الضمير الجمعي أمام الكلمة القاتلة.
ما حدث ليس حالة فردية بل نموذج فاضح لحجم الفراغ التشريعي والرقابي، السكوت عن الظالم جريمة، والمتفرج على القتل المعنوي شريك في الجريمة، ومن ينشر دون تحقق خائن لأمانة الكلمة.
أيها السادة، ما فائدة "المراكز" و"المبادرات" إن لم نرَ نتائجها حين يوجَع من يستحق الاحترام؟
وما معنى "استراتيجية وطنية" لمواجهة الشائعات، إذا كان الفنان – أو أي شخص – يمكن أن يُجلد دون محاكمة؟
أنغام ليست بحاجة لدفاع، لكننا بحاجة إلى مساءلة.
لأننا إن لم نُحاسب مَن أساؤوا اليوم، سنصبح جميعًا أهدافًا لغدٍ لا يعرف حرمة، ولا حدًا، ولا حقًا محفوظًا.
لا نريد محاكم تفتيش، نريد فقط عدالة، نريد إعلامًا لا يركض وراء الترند، بل يتحرى قبل أن يروج، إعلامًا يرد ويكشف الحقائق، نريد قانونًا يعرف أن "الكلمة" قد تقتل، وأن "السوشيال ميديا" ليست غابة.
المطالبة بتفعيل القوانين ليست دعوة إلى قمع، بل لحماية الكرامة الإنسانية من القتل المعنوي الممنهج الذي صار يتم عبر منصات يفترض أنها للتعبير، لا للتدمير.
ستظل أنغام واقفة، كعادتها شامخة، بصدقها وصوتها، وبمحبيها.
لكن السؤال الأهم: هل ستقف القوانين أيضًا؟ أم سيبقى الظالم حرًا والكبير هو وحده من يدفع الثمن؟