معهد فرنسي: إعمار لبنان تائه بين التعافي الوطني وتدخل الجهات غير الحكومية


أكد معهد الدراسات الاستراتيجية الفرنسي أن الانهيار الاقتصادي والمؤسسي المستمر في لبنان جعل من إعادة الإعمار الوطني أولويةً ملحّة، موضحًا أن الهدف لا يقتصر على إصلاح الأضرار المادية فحسب، بل يمتد إلى استعادة سلطة الدولة والثقة العامة.
وبحسب المعهد، تظل هذه العملية متشابكة بعمق مع الانقسامات الطائفية والسياسية في البلاد؛ فبينما تسعى الحكومة إلى قيادة خطة تعافٍ وطنية منسّقة، تُدار العديد من جهود إعادة الإعمار على الأرض من قبل جهات غير حكومية، تشمل أحزابًا سياسية ومنظمات محلية، تستخدم الإعمار غالبًا لتعزيز نفوذها الخاص.
وبيّن المعهد أن هذه الديناميكية تخلق مفارقة؛ فمن جهة، يمثّل الإعمار فرصةً لتعزيز الدولة وتحديث مؤسساتها، ومن جهة أخرى، يكشف مدى اعتماد المواطنين على شبكات بديلة تملأ الفراغ الذي خلّفه ضعف الحوكمة.
ففي مناطق عدّة، تُقدَّم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وإصلاح المساكن، ليس من قِبل الوكالات الحكومية، بل من خلال حركات سياسية أو جمعيات خيرية تابعة لها.
وأشار المعهد إلى أن ذلك سمح لهذه الجماعات بترسيخ وجودها وشرعيتها على المستوى المجتمعي، في أحيان كثيرة على حساب المؤسسات الرسمية.
وأوضح المعهد أن جهود إعادة الإعمار الجارية في لبنان تتركز على ثلاثة محاور رئيسية: البنية التحتية المادية، والإصلاح المؤسسي، والتعافي الاجتماعي.
تتم إعادة بناء الطرق والمرافق والمساكن، في حين يحاول صانعو السياسات إصلاح القطاع المصرفي، والحد من الفساد، وتحسين الشفافية. لكن، رغم الخطاب الطموح، يبقى التقدّم بطيئًا، إذ يجعل الفساد المتجذّر، والتشرذم السياسي، والأزمة المالية المستمرة، من الصعب على الحكومة المركزية فرض سيطرتها.
ويحذّر المحللون من أنه ما لم تصبح عملية إعادة الإعمار بقيادة الدولة فعليًا، فإن لبنان يواجه خطر تكرار النمط ذاته الذي أعقب الأزمات السابقة: إعادة إعمار تعزّز الفصائل بدلاً من تعزيز الدولة. فعندما تهيمن المجموعات السياسية أو الطائفية على جهود التعافي، فإنها تعمّق الانقسامات التي طالما قوّضت وحدة البلاد.
ولفت المعهد إلى أن مسار تعافي لبنان يعتمد على توازنٍ دقيق، يقوم على تمكين المؤسسات الحكومية من قيادة عملية إعادة الإعمار، مع ضمان وصول المساعدات والموارد إلى المواطنين بشكل مباشر وعادل.
واختتم المعهد بالقول إن نجاح عملية إعادة البناء يمكن أن يضع الأسس للبنان أكثر سيادةً واستقرارًا، لكن إذا استمرت الجهات غير الحكومية في إملاء شروط التعافي، فقد تكون النتيجة مشهدًا مُعاد بناؤه على الأسس السياسية الهشّة ذاتها.