19 مايو 2024 16:48 11 ذو القعدة 1445
مصر 2030رئيس مجلسي الإدارة والتحرير أحمد عامر
دين وفتاوى

شرعًا وقانونًا.. كل ما تريد معرفته عن جريمة غسيل الأموال

غسيل أموال (تعبيرية)
غسيل أموال (تعبيرية)

غسيل الأمول، يتساءل العديد من المسلمين عن الأحكام الفقهية والخاصة بالعبادات، والعقائد، والتي تشغل فكره وقد يتشكك فيها عقله؛ وعليه سأل أحد المواطنين يقول: ما حكم غسيل الأموال؟ وما هي عقوبته في الإسلام؟ وهل تداول الأموال في أوجه معتبرة شرعًا يرفع عن صاحبها إثم اكتسابها من محرم؟

وأجابت دار الإفتاء، على لسان الأستاذ الدكتور شوقي علام، بأن غسيل الأموال بكل صوره محرمٌ شرعًا ومجرمٌ قانونًا؛ فإنه قد بدأ بمحظورٍ شرعيٍّ هو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظورٍ شرعيٍّ هو تصرفُ مَن لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التي بنيت على محرم؛ لأن ما بني على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعي هو الإضرار بالأوطان؛ لما في استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطني، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم في تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايلٌ وتدليسٌ وكذبٌ حرَّمه الشرع.

تأصيل الفتوى

وأوضح مفتي الجمهورية، أن غسيل الأموال مصطلحٌ اقتصادي، يُقصَدُ به: كل عمل تتم فيه إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات استثمارية شرعية لإخفاء حقيقتها ومصدرها الحقيقي؛ وذلك لمنحها الصفة القانونية؛ تهربًا من المساءلة عن مصدر المال.

اقرأ أيضًا: ما حكم من جمع أمواله من الحرام وأراد التوبة؟ الإفتاء تُجيب

ولفت علام، إلى أن غسيل الأموال جريمة اقتصادية حديثة تدخل ضمن الجرائم المنظمة؛ كجرائم الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والآثار، والقمار، والسرقة، والخطف، والفساد السياسي، وغيرها، وعرَّفه الُمشرِّع المصري بأنه: "كل سلوك ينطوي على اكتساب أموالٍ، أو حيازتها، أو التصرف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو ضمانها، أو استثمارها، أو نقلها، أو تحويلها، أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت متحصلة من جريمة من جرائم زراعة وتصنيع النباتات والجواهر والمواد المخدرة، وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وجرائم اختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص، وجرائم استيراد الأسلحة، والذخائر والمفرقعات والاتجار فيها وصنعها بغير ترخيص، والجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، وجرائم سرقة الأموال أو اغتصابـها، وجرائم الفجور والدعارة، والجرائم الواقعة على الآثار، والجرائم البيئية المتعلقة بالمواد والنفايات الخطيرة، والجرائم المنظمة التي يُشار إليها في الاتفاقات الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها -سواء وقعت جريمة غسل الأموال في الداخل أو الخارج بشرط أن يكون معاقبًا عليها في كلا القانونين المصري والأجنبي- متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره، أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك، أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال؛ كما هو منصوص عليه في القانون رقم 80/ 2002م ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 951 لسنة 2003م، بشأن مكافحة غسل الأموال في مصر طبقًا لما نصت عليها المادة الأولى فقرة (ب).

وأشار المفتي، إلى أن جريمة غسيل الأموال من أكبر الجرائم تأثيرًا على المجتمع: اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؛ حيث تسبب ضررًا على الدخل القومي، وتدهورًا للاقتصاد الوطني، وتشويهًا للعمليات التجارية، وارتفاعًا لُمعدّل السيولة المحليّة بما لا يتوافق مع كميّات الإنتاج، وإضعافًا لروح المنافسة بين التجار، إلى غير ذلك من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة.

كنوز من الحسنات اغتنمها.. الصلاة على النبي ﷺ وقراءة سورة الكهف «سُنن الجمعة»

ولفت علام، إلى أن هذه الجريمة تمر بأكثر من مرحلة للتهرب من المساءلة القانونية وتضليل الجهات الأمنية والأجهزة الرقابية:

1 مرحلة الإيداع؛ وهي الطريقة التي يتمّ بها التخلّص من الأموال غير الشرعية من خلال توظيفها بأساليب شرعية مختلفة، مثل: إيداعها في البنك، أو أحد المؤسسات المالية، أو تحويلها إلى عملة أجنبية.

2 مرحلة التمويه وإخفاء الجريمة؛ وهي القيام بعدة عمليّات مصرفيّة من أجل التصرّف في الأموال وإخفاء مصدرها؛ كتحويلها إلكترونيًّا، أو تحويلها من بنكٍ إلى آخر.

3 مرحلة دمج الأموال وإدخالها في العمليات الاقتصاديّة والمصرفيّة؛ وتعدُّ آخر مرحلة في عمليّة غسيل الأموال، بحيث يتمّ إضافة الطابع الشرعي والقانوني عليها؛ كتأسيس الشركات الوهميّة، أو القروض المزيفة، ونحو ذلك.

وعلى ذلك فغسيل الأموال يشتمل على محظورين شرعيين:

الأول: تعمد اكتساب المال بطريقة محرمة شرعًا، مُجَرَّمة قانونًا، وذلك مما شدد الشرع الشريف على حرمته، قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، وعن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» متفق عليه.

الثاني: تعمد إدخال المال المكتسب من الحرام في مشاريع استثمارية، أو أعمال لها صفة قانونية، بهدف التهرب من المساءلة القانونية عن مصدر اكتسابه، وهذا حرام أيضًا؛ لأنه لم يصبح ملكًا حقيقًّا لمن يحوزه، حتى يحق له التصرف فيه بالبيع، أو بالشراء، أو الاستثمار، أو بأي صورة من صور المعاملات المالية الجائزة، وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم التصرف فيما لا يملكه، وأن ما لا يصح ملكه لا يصح بيعه أو التصرف فيه، بل يجب رده إلى صاحبه.

وتقرر في قواعد الشرع أن ما بني على حرام فهو حرام، وما بني على باطل فهو باطل، وكل ما بطل سببه فهو باطل، فإذا كان المال محرمًا، حرم كل ما استخدم فيه من أعمال.

والتحايل على الشرع والقانون باستخدام الأموال المكتسبة من محرم في أوجه مشروعة يزيد صاحبها إثمًا وجرمًا، ولا يرفع عنه المساءلة الشرعية ولا القانونية، كما أن في هذه التسمية ذاتها تدليسًا وتلبيسًا؛ إذ هي تسميةٌ للأشياء بغير أسمائها التي تدل عليها؛ فالغسل كلمة عربية تدل على التطهير والنظافة، وتطهير المال إنَّما يكون بإخراج الحقوق فيه؛ من زكاةٍ، وصدقةٍ، ونفقةٍ، وغيرها مما يزيده نماءً وبركة؛ قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 102].

وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن ما يطلق عليه غسيل الأموال أو تبييضها فلا علاقة له بتطهير المال، وتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه؛ لأن العبرة في الأحكام بالمسميات لا بالأسماء، وسبق التشريع الإسلامي جميع القوانين الوضعية في تحريم الحيل التي يحاول أصحابها إبداء الشيء المحرم في صورة المباح المشروع؛ تهربًا من العقوبة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» أخرجه ابن بطة في "إبطال الحِيل"، وقال الحافظ ابن كثير: "إسناده جيد".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ»، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنها تطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهَا، ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا» متفق عليه. أي: أذابُوهَا بالنار ليزول عنها اسم الشحم.

وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يَكْفَأُ النَّاسُ الدِّينَ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ: فِي الْخَمْرِ؛ يَشْرَبُونَهَا وَيُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» رواه الدارمي في "السنن"، وابن بشران في "الأمالي" واللفظ له، ولفظ الدارمي: «يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا».

وشدد علام، على أن تقنين الأموال المحرمة بإدخالها في مشاريع جائزة تهربًا من العقوبة، هو أشبه بفعل اليهود الذين نهاهم الله عن الصيد يوم السبت، فنصبوا شباكهم يوم الجمعة، حتى يلحق بها الصيد يوم السبت، ثم أخرجوها من الماء يوم الأحد؛ مخادعة -في زعمهم- لله تعالى وتحايلًا في استباحة الصيد، فلم يمنعهم ذلك من العقوبة، ولم يرفع عنهم الجزاء، فكذلك تكسب المال من أوجه غير مشروعة ثم تقنين ذلك بالأوجه المشروعة لا يرفع الإثم عن فاعله؛ وعليه فعملية غسل الأموال حرام بشِقَّيْها: شق الاكتساب، وشق التحايل للتهرب من المساءلة.

وأفاد، بأن غسيل الأموال حرام لما يترتب عليها من أضرار اقتصادية بالغة تتعارض مع المقاصد الشرعية؛ إذ إن حفظ الأوطان مقصد شرعي مرعي، يأثم من يخل به، قال تعالى: ﴿ِوَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ» رواه الدارقطني في "سننه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

واتفقت الدول على تجريم هذه الظاهرة الخطيرة التي تعمل على ما يُسمَّى "الاقتصاد الموازي" الذي يُدار بعيدًا عن أعين الحكومات؛ فصدرت اتفاقية فيينا عام 1988م، في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والأموال الناتجة عنهما واستخدامهما في جريمة غسل الأموال، وتُعَد هذه الاتفاقية من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة، لأنها فتحت الأنظار على مخاطر نشاطات غسل الأموال المتحصلة من المخدرات، وأثرها المدمر في النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول.

ونص القانون المصري على عقوبة مرتكبي جرائم غسيل الأموال؛ ففي المادة (14): [يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات، وبغرامة مالية تعادل مثلي الأموال محل الجريمة كل من ارتكب، أو شرع في ارتكاب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأموال المضبوطة، أو بغرامة إضافية تعادل قيمتها في حالة تعذر ضبطها، أو حالة التصرف فيها إلى الغير حسن النية] اهـ.

واختتم مفتي الجمهورية بقوله: «وعلى ذلك فإن ما يُطلق عليه غسيل الأموال بدأ بمحظور شرعي، وهو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظور شرعي، وهو تصرف من لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التي بنيت على محرم؛ لأن ما بني على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعي وهو الإضرار بالأوطان؛ لما في استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطني، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم في تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايل وتدليس وكذب حرَّمه الشرع، وعليه فإن غسيل الأموال بكل صوره محرم شرعًا ومجرم قانونًا».

غسيل أموال حكم غسيل أموال حكم غسيل الأموال ما هو غسيل الأموال تعريف غسيل الأموال مفتي الجمهورية غسيل الأموال عقوبة غسيل الأموال حكم غسيل الأموال شرعا الإفتاء دار الإفتاء

مواقيت الصلاة

الأحد 04:48 مـ
11 ذو القعدة 1445 هـ 19 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:19
الشروق 04:59
الظهر 11:52
العصر 15:28
المغرب 18:44
العشاء 20:13
read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... 2024 2024 read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... news website news website news website news website news website news website news website news website news website news website read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... POS POS POS POS POS POS POS POS POS POS Education Education Education Education Education Education Education Education read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... crystal crystal crystal crystal crystal crystal crystal crystal crystal taxi taxi taxi taxi taxi taxi taxi taxi taxi taxi Education Education Education Education Education Honor Honor Honor Honor
البنك الزراعى المصرى
البنك الزراعى المصرى